هل تمنح الرضاعة الطبيعية الأطفال قسيمات طرفية أطول؟

يتمتع الأطفال الذين حصلوا على رضاعة طبيعية بجهاز مناعة أقوى ومعدل ذكاء أعلى وهم أقل عرضة للبدانة مقارنة بالأطفال الآخرين، وقد أظهرت مؤخراً دراسة حديثة وجود فرق آخر لدى الأطفال الذين رضعوا طبيعياً، حيث بينت الدراسة أن قسيماتهم الطرفية يمكن أن تكون أطول.

إن القسيمات الطرفية هي عبارة عن امتدادات من الحمض النووي تغطي نهاية الصبغيات وتحمي الجينات من التعرض للضرر، وهي عادة ما تُشبَّه بالنهايات البلاستيكية لأربطة الحذاء، والتي تمنع نهايات رباط الحذاء من الانفكاك، وإن القسيمات الطرفية تزداد قًصراً مع انقسام الخلايا ومع تقدم الناس بالعمر، فالقسيمات الطرفية القصيرة لدى البالغين مقترنة بالأمراض المزمنة كالسكري، أما القسيمات الطرفية الأكثر طولاً فقد ربطتها بعض الدراسات بطول العمر.

يصف مؤلفو الدراسة الجديدة التي نشرت في المجلة الأمريكية للتغذية السريرية دراستهم بأنها واعدة، لأنها تقترح أن طول القسيم الطرفي في مقتبل عمر الانسان يمكن أن يكون مرناً، فالباحثون الذين كانوا يتابعون مجموعة من الأطفال منذ ولادتهم قاموا بقياس طول القسيمات الطرفية لأطفال في عمر الأربع والخمس سنوات، ووجدوا أن الأطفال الذين استهلكوا فقط حليب الأم في الأسابيع الأربعة أو الستة الأولى من حياتهم كان لديهم قسيمات طرفية أطول بشكل ملحوظ مقارنة بالذين قُدم لهم حليب الأطفال الصناعي أو العصائر أو أنواع الشاي أو الماء والسكر، فقد ربط العلماء أيضاً القسيمات الطرفية الأقل طولاً بكل من عادة شرب عصير الفواكه يومياً خلال السنوات الأولى التي يبدأ الطفل فيها بالمشي وعادة الإكثار من المشروبات الغازية في عمر الأربع سنوات.

يمكن للفروقات الاجتماعية والاقتصادية بين الأمهات أن تشوش نتائج الدراسات التي تتمحور حول الرضاعة الطبيعية لأن اعتماد الرضاعة الطبيعية يعد أكثر انتشاراً بين النساء اللواتي يتمتعن بمستوى تعليمي أعلى من غيرهن، لذا اختير لهذه الدراسة مجموعة متجانسة نوعاُ ما من الأطفال، فكلهم ولدوا في سان فرانسيسكوا لأمهات ذوات دخل منخفض من أصل لاتيني، ومعظمهم ينتمون للعائلات المستحقة لبرنامج التغذية الحكومي، وتقول الدكتورة أليسون م. ستوب ” Alison M. Stuebe” وهي غير مشاركة في الدراسة، ولكنها عالمة في الرضاعة الطبيعية، والمديرة الطبية لخدمات الرضاعة في منظمة UNC للرعاية الصحية في تشابل هيل في ولاية كارولاينا الشمالية: ” يعتبر تأثير الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأم بأنه إضافة للأدلة المتزايدة التي تشير إلى أنه عندما نُسهل للأم أن تُرضع طبيعياً فنحن بذلك أيضاً نجعل من الأمهات والأطفال يتمتعون بصحة أكبر”، وتضيف :”كلما تعلمنا المزيد عن حليب الأم كلما توضح لنا أكثر كم هو رائع وكم يقدم من منافع عظيمة”.

لم تثبت الدراسة ما إذا كانت الرضاعة الطبيعية تحسن من طول القسيم الطرفي أم لا، فيمكن أن يكون الأطفال الذين ولدوا بقسيمات طرفية أطول هم الأكثر حظاً في النجاح بتلقي الرضاعة الطبيعية، فعيب الدراسة الأساسي يكمن في أن قياس طول القسيم الطرفي تم في مرحلة واحدة فقط وذلك عندما بلغ الأطفال عمر الأربع أو الخمس سنوات، فلم يكن هنالك بيانات توثق طول القسيم الطرفي عند الولادة أو خلال الأشهر القليلة الأولى من حياة الطفل، وتقول الدكتورة ستوب: ” لا نملك معلومات أساسية لمعرفة ما إذا كان الأطفال مختلفين عند ولادتهم”، وتضيف: “فمن المحتمل أن الأطفال الذين يتمتعون بالفعل بصحة جيدة يمكنهم بسهولة أن يتعلقوا بحليب الأم ويتغذوا بشكل جيد، وهم يمتلكون بالأصل قسيمات طرفية أطول، أي يمكن للرضاعة الطبيعية الناجحة أن تكون دليلاً على أن الطفل أكثر صحة وقوة”.

كان باحثوا الدراسة يتابعون الأطفال الذين كانوا جزءاً من دراسة عن التغذية ونمط الأكل الاسباني، والتي أجريت على 201 طفل ولدوا في سان فرانسيسكو لأمهات من أصل لاتيني تم توظيفهن في عامي 2006 و2007 عندما كن لا يزلن حوامل، وكان الهدف من الدراسة هو معرفة مدى تأثير الخبرات المبكرة في الحياة والبيئة وعادات الأكل على ازدياد وتطور الأمراض الاستقلابية والقلبية، فقد قام الباحثون بقياس وزن وطول الأطفال عند ولادتهم، ثم عند بلوغهم لعمر الأربع إلى ستة أسابيع قاموا بجمع المعلومات المفصلة عن العادات التي اتبعَت في تغذيتهم بما فيها معلومات عن ما إذا كان الأطفال قد حصلوا على حليب الأم وعن طول المدة التي رضعوا فيها طبيعياً، وعن ما إذا قُدم لهم بدائل أخرى للحليب كحليب الأطفال الصناعي أو المشروبات المحلاة بالسكر أو العصائر أو المياه والحليب المنكهان، وقد تم أيضاً جمع معلومات عن الأمهات، وتم اعتبار الأطفال على أنهم قد حصلوا على رضاعة طبيعية في عمر أربعة إلى ستة أسابيع فقط في حال استهلاكهم حصراً لحليب الأم إلى جانب الأدوية أو الفيتامينات.

عندما أصبح الأطفال بعمر الأربعة والخمس سنوات قام الباحثون بأخذ عينات من دماء 121 طفل لكي يستطيعوا من خلالها قياس القسيمات الطرفية في كريات الدم البيضاء، ووجدوا أن الأطفال الذين حصلوا حصراً على رضاعة طبيعية في عمر أربعة إلى ستة أسابيع كان لديهم قسيمات طرفية أطول بخمسة بالمئة أو ما يعادل علمياً  350 زوج قاعدي مقارنة بالأطفال الآخرين، وتقول جانيت م. وجسيكي ” Janet M. Wojcicki” وهي أستاذة مشاركة في طب الأطفال وعلم الأوبئة في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، والمؤلفة الرئيسية للدراسة: “إن النتائج الجديدة يمكنها أن تساعد في تفسير المنافع العظيمة التي تقدمها الرضاعة الطبيعية“.

تقول الدكتورة وجسيكي: ” إن الجدير بالملاحظة هو قدرة الرضاعة الطبيعية على تحسين صحة جميع أجهزة الجسم”,   وتضيف: “علم الأحياء الذي يدرس القسيم الطرفي هو علم محوري في كل من عملية الشيخوخة وصحة الإنسان ومرضه ولعله يكون الرابط لكيفية تأثير الرضاعة الطبيعية على جوانب عديدة من صحة الانسان”.

يوجد العديد من التفسيرات المحتملة للعلاقة المتبادلة بين الرضاعة الطبيعية والقسيمات الطرفية الأكثر طولاً، فأحد التفسيرات المحتملة يقول بأن حليب الأم يحتوي على مركبات مضادة للالتهاب والتي يمكن أن تمنح تأثيراً وقائياً للقسيمات الطرفية، ومن المحتمل أيضاً أن الوالدين اللذين يعتمدان حصراً على تقديم الرضاعة الطبيعية للطفل هما عموماً أكثر حرصاً في حياتهم على اتباع نظام غذائي صحي، ويقول الدكتور باثيك د. وادوا “Dr. Pathik D. Wadhwa” الذي لم يشارك في البحث ولكنه يدرس العوامل المبكرة في الحياة والمحددة للصحة في جامعة كاليفورنيا، كلية إرفين للطب: “هنالك احتمال آخر وهو أن الرضاعة الطبيعية تُعتبر كوسيط يحدد عمق العلاقة التي تربط الأم وطفلها، فنحن نعرف من خلال الأبحاث التي تظهر لنا التغيرات في طول القسيم الطرفي عند الأطفال الذين يعيشون في دور الأيتام أن هنالك عاملاً يلعب دوراً في معدل تغيُّر طول القسيم الطرفي ألا وهو مدى عمق الصلة والتفاعل إضافة إلى نوعية الرعاية التي يتلقاها الأطفال بشكل عام”.

تقول إليسا إيبل “Elissa Epel” وهي إحدى مؤلفي الدراسة وأستاذة في جامعة كاليفورنيا ومديرة مختبر مختص بالشيخوخة وعملية الاستقلاب والعواطف: “عندما يتعرض الأطفال في عمر مبكر لمحنة ما أو لإهمال أو تعنيف فإن التوتر النفسي الناتج سيعمل على خلق بيئة كيميائية حيوية من الجذور الحرة المتزايدة والالتهابات وهرمونات التوتر التي يمكن أن تؤذي القسيمات الطرفية”، وتضيف: ” تعتبر فكرة إمكانية الرضاعة الطبيعية على تأمين الحماية للقسيمات الطرفية بأنها فكرة مشجعة لأننا لا نعرف الكثير عن العوامل التي تحمي القسيمات الطرفية لدى الأطفال باستثناء تجنب التوتر السام (وهو حالة من التوتر المزمن والحاد عند الأطفال)”، وعلى الرغم من عدم قدرتنا على تغيير الجينات ولكن الدكتورة إيبل تقول: “إن القسيم الطرفي هو جزء من الجينوم (الجينوم هو مجموع الجينات في الكائن) والذي يبدو بأنه يخضع للسيطرة الذاتية ولو بشكل جزئي على الأقل”.

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top