أظهرت الأبحاث أن أهمية هذا الاتجاه الصِّحي البديل يمكن أن تفوق التوقعات. إن تحسين الصحة قد يكون بسهولة أخذ نفسٍ عميقٍ.
قد يُنظر إلى هذه الزُّيوت العطرية على أنَّها اتجاه صحي بديل، لكن يوجد كمٌّ متزايدٌ من الأبحاث، التي تُشير إلى أنَّها قد تُساعد في منع أو حتى علاج عدة حالاتٍ صحيةٍ، تتراوح من الأرق إلى أعراض متلازمة الأمعاء الهيوجة.
يقول الدكتور جوش أكس “Josh Axe”، وهو مختصٌ في الطب الطبيعي، ومؤلف كتاب “الزُّيوت العطرية: الطب القديم Essential Oils: Ancient Medicine“: “تمتاز العديد من الزُّيوت العطرية بخصائصها المضادة للمكروبات، وبقدرتها على تقوية جهاز المناعة وتدمير البكتيريا والفيروسات الضَّارة”، ويُضيف: “ويعمل العديد منها أيضاً كمضادات أكسدةٍ قويةٍ، تساعد على إبطال أو إيقاف الجذور الحرَّة الموجودة داخل الجسم، والنَّاجمة عن عوامل بيئية كالتَّلوث والسُّموم الكيميائية والإشعاع”. ويمكن للجسم بدوره أن يكون قادراً بشكلٍ أفضل على محاربة الإجهاد التأكسدي، الذي قد يؤدي للمرض.
ما هي الزُّيوت العطرية؟
الزَّيت العطري هو سائلٌ فائق التَّركيز مستخرجٌ من أوراق وأعشاب ولحاء وقشور بعض النباتات، ووفقاً للمعهد الوطني لعلوم الصحة البيئية، فإن كل زيتٍ عطريٍّ يحتوي على تركيبةٍ فريدةٍ من المواد الكيميائية، تُؤثر على الطريقة التي يتفاعل ويمتصُّ بها الجسم تلك الزُّيوت. لكي تُعتبر الزُّيوت بأنها “عطرية، يجب استخراج خلاصة النبات – أي النَّكهة والرَّائحة – من خلال عصره أو تقطيره آلياً، فعلى سبيل المثال، يُحتاج إلى 220 باوند من زهور الخزامى لإنتاج باوند من زيت الخزامى.
جهاز ناشر للزيوت العطرية يمكن التحكم فيه عن بعد.
كيفية استخدام الزُّيوت العطرية
يعتقد الدكتور ليلاند ستيلمان “Leland Stillman” من مدينة تامبا بولاية فلوريدا، أن بعض الزُّيوت لها خصائص علاجية، ولكن شأنه شأن كثير من الخبراء الطبيين، فإنه يوصي باستخدامها لأغراضٍ تندرج ضمن العلاج العطري بدلاً من استهلاكها.
ويشرح ذلك قائلاً: ” تُعالج الرَّائحة من قِبَل العصب الشَّميّ المُتصل مباشرةً بالجهاز الحوفي – المركز المسؤول عن الاستجابات العاطفية في الدماغ”، ويضيف: “هذا الجهاز يُرسل الإشارات إلى الأجزاء المتبقية من الدماغ، وخاصة جذع الدماغ، الذي يتحكم في وظائفنا الحيوية”. لهذا السَّبب يتغير معدل نبضات القلب وضغط الدم والمؤشرات الحيوية الأخرى عندما نكون في حالة اضطراب.
يمكنك الحصول على فوائد الزُّيوت العطرية من خلال وضع بضعة قطراتٍ على بشرتك، ويمكنك أيضاً إضافتها إلى الغسول أو حوض الاستحمام، أو نشر رائحتها في أرجاء المنزل باستخدام الجهاز النَّاشر للزيوت العطرية.
تقول طبيبة الأعصاب إيشا غوبتا “Isha Gupta”: “عند التَّعامل مع أي زيتٍ عطريٍّ، ضع أولاً كميةً صغيرةً فقط على بشرتك للتأكُّد من عدم حدوث ردة فعلٍ تحسسيةٍ” وتضيف: ” ابدء دائماً بكميةٍ قليلةٍ، سواء كنت تدهن الزَّيت العطري على بشرتك أو تملأ الغرفة برائحته”.
أفضل الزُّيوت العطرية
بما أنك أصبحت الآن تعرف ماهي الزُّيوت العطرية، فتابع القراءة لتتعرَّف على آراء بعض الأطباء حول فوائد روائح أشهر سبع زيوتٍ عطريةٍ.
زيت شجرة الشَّاي
أشهر الحالات التي يستخدم لعلاجها: حبُّ الشَّباب، التهاب الجيوب الأنفية.
يُعتبر زيت شجرة الشَّاي بأنه أحد الزُّيوت الأقل جاذبية من حيث الرائحة، ولكن له العديد من الاستخدامات العلاجية، فتقول آنا جوانش “Anna Guanche”، وهي طبيبة أمراض جلدية مجازة: “بالنسبة لمشاكل الجلد مثل حب الشباب، فإن ” البلقاء ” المعروف أيضاً بزيت شجرة الشَّاي، يمكن أن يساعد في تجفيف حب الشباب، أو يمكن أن يستخدم كعلاجٍ موضعيٍّ إذا استخدم بحذر، تُشير دراسةٌ أجريت عام 2016 من مجلة أسترالاسيا لطب الأمراض الجلدية، إلى أن منتجات زيت شجرة الشَّاي يمكنها أن تساعد في تحسين حالات حبِّ الشباب الخفيفة والمعتدلة.
يمكن لزيت شجرة الشَّاي أن يساعد أيضاً في تنظيف مجرى التَّنفس، فيقول الدكتور جوزيف فويرستاين “Joseph Feuerstein”، الذي يستخدم الزُّيوت لأكثر من عقدٍ، والذي يعمل كأستاذ مساعد في الطب السريري في جامعة كولومبيا: ” لعلاج حالات العدوى أستخدمُ في الغالب زيوتاً معينة، مثل الأوكاليبتوس وشجرة الحمى وزيت شجرة الشَّاي، فمثلاً يمكن استنشاق بخار الزَّيت لعلاج التهاب الجيوب الأنفية”. لكنه ينصحك بالحذر عند استخدام زيت شجرة الشَّاي لأنه قد يكون مهيجاً للأغشية المخاطية”.
نظراً لأن الزُّيوت العطرية ليست خاضعةً لرقابة إدارة الغذاء والدواء، فيمكن لبعض العلامات التجارية أن تبيعك منتجاً مختلفاً تماما، لذا تُحذِّر الدكتورة جوانش قائلة: “لا تُصنع جميع الزُّيوت العطرية بنفس الطريقة، فقد يكون تركيز بعضها أقوى من غيره، وقد يُخلط البعض منها مع مميعات أخرى، مما قد يضرُّ بالبشرة جاعلاً حالتها أسوأ مما كانت عليه”.
زيت النعنع
أشهر الحالات التي يستخدم لعلاجها: الغثيان، أعراض متلازمة الأمعاء الهيوجة، صداع التَّوتر، آلام العضلات.
وجدت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا على 726 مريضاً، أن كبسولات زيت النعناع (مقارنة مع الدواء الوهمي)، حسَّنت بشكلٍ ملحوظٍ أعراض متلازمة الأمعاء الهيوجة وآلام البطن. وخلُص الباحثون إلى أن زيت النعناع يعدُّ علاجاً آمناً وفعالاً وقصير الأمد لمتلازمة الأمعاء الهيوجة، ومع ذلك، فقد أشار الباحثون أيضاً إلى أن المرضى الذين أخذوا زيت النعناع، كانوا أكثر عرضة لاختبار النتائج العكسية كحرقة المعدة من أولئك الذين لم يأخذوه، لذا من الأفضل التَّحدث مع الطبيب عن المخاطر والتَّاريخ الطبي الخاص بك قبل البدء باستخدامه.
بالإضافة لتخفيف أعراض متلازمة الأمعاء الهيوجة، فإنَّ زيت النعناع يُعتبر مفيداً جداً لتخفيف الغثيان أيضاً، وخاصة لمرضى السرطان. تقول ليا شيرمان “Leah Sherman”، وهي طبيبةٌ مختصةٌ بالمعالجة الطبيعية: “إنَّ شمَّ رائحة النعناع أو الزنجبيل، يمكن أن يساعد في تخفيف الغثيان كما يفيد في حالة دوار الحركة”. وتُضيف: “يمكن أن يجعلك العلاج الكيماوي حساساً جداً تجاه الروائح، لذلك ننصح المرضى باستنشاقه تحت أنوفهم، فقد تكون هذه الرائحة كافية للتخلص من حالة الغثيان”.
زيت الخزامى
أشهر الحالات التي يستخدم لعلاجها: الأرق، الصداع النصفي، أوجاع الرأس.
لعلَّ زيت الخزامى هو أكثر الزُّيوت العطرية التي خضعت للدراسة، وقد أظهر الخزامى احتوائه على الكثير من الفوائد، بما في ذلك الحدُّ من الشُّعور بالقلق وتحسين المزاج وزيادة الاسترخاء، ولكن أحد أفضل المزايا التي يتمتع بها هو قدرته على مساعدتك على النَّوم بشكلٍ أفضل.
يقول الدكتور فويرستاين: ” إن رائحة النبات تعمل كمهدئٍ يُخفِّض التَّوتر، كما أن المليسة والخزامى مفيدان لحالات القلق، ويُستخدمان عادةً موضعياً بعد مزجهما بزيتٍ وسيطٍ، أو يُوضع الزَّيت على قطنةٍ ليتبخَّر وتملأ رائحة الجو”.
وجدت دراسةٌ أجريت عام 2018 لمجلة العلاجات التكميلية في الطب، أنَّ علاج المرضى الذين خضعوا لجراحة القولون والمستقيم بزيت الخزامى من خلال التدليك المُعتَمد في العلاج العطري، قد ساعد في تحسين نوعية نومهم، وتقليل مستوى القلق لديهم.
وعلاوة على ذلك، فقد أظهر زيت الخزامى قدرته في المساعدة على تخفيف الصداع النصفي وأوجاع الرأس، ففي دراسةٍ نشرت عام 2016 في مجلة طب الأعشاب، أظهرت أن المشاركين الذين خضعوا للعلاج بالخزامى لمدة ثلاثة أشهر، قد لاحظوا انخفاضاً ملحوظاً في تواتر وشدة حالات الصداع النصفي التي تصيبهم، مقارنةً مع الذين لم يخضعوا للعلاج.
تقول الدكتورة جوبتا “مازلنا لا نعرف بالتَّحديد لماذا يُساعد الخزامى في حالات الصداع النصفي، إذ نحتاج للمزيد من الأبحاث، ولكن يُعتقد بأنَّه يلعب دوراً مماثلا للبِنزوديازيبين (صنف من الأدوية التي تُستعمل في علاج الصداع النصفي) عندما يوضع على الجلد، فاستعماله يستحقُّ التجربة إذا كنت تعاني من الصداع النصفي.”
يمكنك نشر رائحته بالجهاز الناشر للزيوت العطرية، أو إضافة بضع قطراتٍ إلى ماء الحمام الدافئ، أو ببساطةٍ ادهنه على معصميك وشم رائحته عندما يُصيبك الصداع النصفي، أو قبل النَّوم فهو يُساعدك على النَّوم بعمقٍ، ومع ذلك، تُحذِّر الدكتورة جوانش قائلة: ” أظهرت الدراسات التي أجريت على زيت الخزامى وزيت شجرة الشَّاي، أنهما يحثَّان على إنتاج هرمون الإسترُوجِين عند الذكور مما يؤدي إلى تثدي الرجل، والتَّورم في نسيج الثدي بسبب عدم التوازن الهرموني “.
زيت الأوكاليبتوس
أشهر الحالات التي يستخدم لعلاجها: تنظيف مجرى التنفس، وتهدئة آلام العضلات.
يحتوي زيت الأوكالبتوس على مركباتٍ تجعل منه مطهراً قوياً. يمكنك استخدامه كطاردٍ طبيعيٍّ للحشرات، أو مزجه في كريم لتهدئة آلام العضلات، ويمكن لاستخدام بضعة قطراتٍ منه في الجهاز النَّاشر للزيوت العطرية، أن يساعد حتى في تنقية الجهاز التنفسي. وتُشير دراسة أجريت عام 2017 لمجلة “PLOS One”، إلى أنَّ زيت الأوكاليبتوس يمكن أن يساعد في وقف الالتهاب في الرئتين.
يقول الدكتور فويرستاين: ” أحال لي أخصائي بالأمراض المُعدية، مريضة مصابة بعدوى رئوية مزمنة، لم يكن باستطاعتها تحمل المزيد من المضادات الحيوية، فاستخدمنا نوعين من الأوكالبتوس، وطلبتُ منها أن تستنشق بخارهما، وأظهرت عينات البلغم التي فُحصت بعد العلاج زوال العدوى”.
زيت إكليل الجبل
أشهر الحالات التي يستخدم لعلاجها: خسارة الشَّعر الناتج عن داء الثعلبة.
إذا كنت تعاني من الثَعلبة البُقَعِيَّة، وهي حالة يُهاجم فيها الجهاز المناعي بصيلات الشعر ويسبب فقدان الشعر، فإنَّ استعمال الزُّيوت العطرية مباشرةً على فروة الرأس يمكن أن يفيد في هذه الحالة.
وجد الباحثون أن تدليك فروة الرأس بمزيجٍ من الزُّيوت العطرية، بما فيها إكليل الجبل والخزامى والزعتر وخشب الأرز، يمكن أن يحفِّز نمو الشَّعر، وذلك وفقا لمركز جامعة ماريلند الطبي. يساعد كل من التدليك والزُّيوت العطرية في تنشيط الدورة الدموية التي تحفِّز نمو الشَّعر.
عند استخدام الزُّيوت العطرية، من المهم أن تتذكَّر أنها قد تكون سامة إذا استخدمت بكمياتٍ كبيرة، لذا يُوصي مركز جامعة ماريلند الطبي بتخفيف الزُّيوت، من خلال خلط ثلاث إلى ست قطراتٍ منها مع ملعقةٍ كبيرةٍ من زيت بذور العنب، وتدليك فروة الرأس بالمزيج لمرةٍ واحدة يومياً.
زيت الحمضيات
أشهر الحالات التي يستخدم لعلاجها: القلق، الاكتئاب.
إذا كنت تمرُّ بوقتٍ عصيبٍ، فقد تُساعد رائحة الحمضيات على تحسين مزاجك. وجدت دراسة أجريت عام 2005 في جامعة فيينا في النمسا، أن المحيط الذي تنتشر فيه رائحة البرتقال ( أو الخزامى ) يُقلِّل مستوى القلق، ويحسِّن المزاج لدى المرضى الذين ينتظرون دورهم لتلقي العلاج للأسنان.
توصَّلت أبحاثٌ أخرى إلى أنَّ نشر رائحة الحمضيات في الغرفة، يمكن أن يُنظِّم المستويات الهرمونية، ويساعد على تقليل جرعات الأدوية المضادة للاكتئاب عند المرضى المصابين بالاكتئاب. ولكن تذكَّر أنَّه من المهم عدم استبدال أي من أدويتك الحالية بالعلاج العطري، ما لم تأخذ موافقة طبيبك.
بعد أن يمتصَّ الجلد زيت الحمضيات بشكلٍ كاملٍ، تأكد من دهن المنطقة بواقي الشمس، فزيوت الحمضيات يمكن أن تجعلك أكثر حساسية لأشعة الشمس، فتقول الدكتورة شيرمان: “إذا خرجت في الشمس بعد دهن القليل من زيت الليمون على جسمك، فإن المنطقة المدهون عليها الزَّيت يمكن أن تحترق”، لذا احمي بشرتك من خلال الحدِّ من التَّعرض لأشعة الشمس.
زيت القصعين المتصلب
أشهر الحالات التي يستخدم لعلاجها: عدم التَّوازن الهرموني، تخفيف أعراض سن اليأس.
إن ارتفاع مستويات هرمون الإستروجين، قد يزيد من خطر إصابة النساء بأنواعٍ معينة من السرطان كسرطان الثدي. يمكن للزيت العطري للقصعين المتصلب أن يساعد في تقليل فرص حدوث هذه الاختلالات الهرمونية.
يقول الدكتور أكس: إنَّ القصعين المتصلب هو أحد أكثر الزُّيوت العطرية فعالية في موازنة الهرمونات، لأنه يحتوي على الإستروجين النباتي الطبيعي الذي يساعد على تنظيم مستويات هرمون الإستروجين”.
تُشير دراسة أجريت عام 2017 في علوم طب الأَعصاب والغُدد الصُّم، إلى أنَّ زيت القصعين المتصلب يمكن أن يساعد أيضاً في تخفيف أعراض مرحلة ما قبل سن اليأس، كالهبات الساخنة والتَّعب وتقلب المزاج.
بالإضافة لذلك، تُشير الأبحاث إلى أن القصعين المتصلب قد يساعد أيضاً في تنشيط الدورة الدموية. عندما يكون دوران الدَّم ضعيفاً، فإن الدَّم لا يتدفق بقوةٍ مما يمكن أن يؤدي إلى: التنمِيل واحتباس السوائل والنفخة ونقصانٍ في مستوى الطاقة.
هل الزُّيوت العطرية آمنة؟
خلاصة القول أنَّه يجب أن تتحدث مع طبيبك – وليس مع التَّاجر – عن كيفية إدخال الزُّيوت الععطرية بشكلٍ آمنٍ إلى حياتك اليومية قبل البدء باستعمالها. يقول الدكتور غاونشي: ” تتمتَّع الزُّيوت العطرية بشعبيةٍ كبيرةٍ في وقتنا الحالي، وخاصة بسبب التسويق المتعدِّد المستويات، فالعديد من الإعلانات تدَّعي علاج أو شفاء الأمراض، ولكن هذه الزُّيوت مركزة بدرجة عالية، فالاستخدام الخاطئ لها يمكن أن يخلق المزيد من المشاكل”.
وكما يقول شيرمان، الذي عمل مع مرضى السرطان المهتمين بالعلاجات البديلة: ” إن وضع القليل من زيت النعناع المُبرِّد خلف أذن المريض ورقبته لتخفيف الهبات السَّاخنة، هو أمرٌ جيدٌ، لكنه لن يعالج المريض من أي شيء، فتأثيره يقتصر على تخفيف الأعراض”.