يعتبر الصيام من أحد أقدم التقاليد في العديد من الثقافات والتي يعود عمرها لآلاف السنين، وبجانب المكانة الروحية للصيام، فإن له فوائد صحية عديدة ليومنا الحالي، وعلى وجه الخصوص الصيام المتقطع، حيث يدرس الباحثون المختصون الفوائد الأخرى المحتملة له.
تشير بعض الدراسات إلى أن الصيام المتقطع قد يساعد في الحد من أعراض مرض التصلب المتعدد عن طريق تهدئة الاستجابة المناعية المفرطة والتي بدورها تلحق الضرر بالأعصاب. يبدو هذا الأمر واعداً ولكن هناك حاجة إلى القيام بمزيد من الأبحاث بهذا الصدد. حيث لا يعتبر الصيام علاجاً رئيسياً في هذه الحالة، إذ أن علاج مرض التصلب العصبي المتعدد يتضمن عقاقير معدلة واستخدام الستيرويدات.
سنتكلم في هذه المقالة عن أهم الأشياء التي يجب على المريض معرفتها قبل محاولة الصيام وضرورة التشاور مع الطبيب المختص قبل البدء به.
أنواع الصيام المتقطع
هناك العديد من الطرق التي تم استخدامها لتطبيق الصيام المتقطع، وتتضمن ما يلي:
– الأكل المقيد زمنياً: يستطيع الشخص أن يأكل خلال عددٍ محددٍ من الساعات كل يوم، على سبيل المثال، يمكن أن يتناول جميع الوجبات اليومية بالإضافة للوجبات الخفيفة خلال 12 أو 10 أو 8 ساعات في اليوم وأن يصوم في ساعات اليوم المتبقية.
– نظام 5:2 يتضمن نظام الطعام اختيار يومين محددين في الأسبوع وتناول ما لا يزيد عن 500 سعرة حرارية خلالهما ثم تناول الطعام بالشكل الاعتيادي خلال الخمسة الأيام الباقية.
– اتباع حمية غذائية شبيهة بالصيام: تتضمن هذه الحمية تناول وجبات ذات سعرات حرارية منخفضة للغاية لبضعة أيام ثم يليها نظام غذائي عادي.
– الصيام المتناوب: يتضمن هذا الصيام عدم تناول أي شيء طيلة اليوم وفي اليوم الذي يليه يعود الصائم إلى جدوله المعتاد في تناول الطعام. ويعتبر هذا النوع مبالغ فيه والأكثر شدة من باقي طرق الصيام.
– الصيام المتناوب-المقيد: يتم تقييد السعرات الحرارية بما لا يزيد عن 500 سعرة في يوم الصيام بينما في اليوم الذي يلي الصيام يمكن تناول كمية السعرات بالشكل الاعتيادي.
كيف يمكن أن يظهر مرض التصلب العصبي المتعدد؟
يحدث هذا المرض عندما يهاجم جهاز المناعة الدماغ والنخاع الشوكي.
يسبب هذا الهجوم التهاباً يؤدي لتدمير الألياف الميلينية myelin التي تشكل بدورها طبقة واقية تغطي ألياف الأعصاب وتحميها. ينتج عن هذا الأمر تضرر في الخلايا العصبية وظهور أعراض مرض التصلب العصبي مثل الخدر أو ضعف ووخز في العضلات ومشاكل في التركيز والرؤية.
لم يستطع الخبراء والمختصون في تحديد السبب الرئيسي لمرض التصلب المتعدد، ولكن لاحظ بعض الباحثين أن اتباع نظام غذائي غربي قد يكون مرتبطاً بحدوث الالتهاب.
وتقوم نظريتهم على أن الصيام المتقطع قد يؤدي إلى خفض فرص حدوث الالتهاب ومنع الجهاز المناعي من إطلاق المواد الكيميائية التي تضر الميلين.
ماذا تُظهر الأبحاث العلمية؟
اقتصرت الدراسات التي أجراها العلماء بشكل رئيسي على إجراء تجارب الصيام المتقطع على حيوانات المخبر. قارنت بعض الدراسات تأثير كل من الصيام المتقطع والحميات الغربية على الفئران التي تحمل مرض التصلب المتعدد. ومن المهم لنا أن ندرك أن هذه النتائج لا تنطبق دائماً على الأشخاص، حيث كانت حصيلة العديد من التجارب التي أجريت على الفئران فقط.
أظهرت إحدى هذه الدراسات والتي راقب فيها الباحثون مجموعة من الفئران لمدة 3 أسابيع بعد أن تم تقسيمها إلى مجموعتين: الأولى تمت تغذيتها وفقاً لنظام حمية منخفضة السعرات والبروتين لثلاثة أيام في الأسبوع طيلة مدة الاختبار في حين تناولت المجموعة الأخرى طعامها المعتاد أسبوعياً.
ووجد الباحثون أن المجموعة التي طبقت نظام الصيام كان لديها مستويات أقل من السيتوكينات Cytokines وهي مواد كيمائية في الجهاز المناعي تعزز الالتهاب في الجسم.
وقد لاحظ الباحثون أن الفئران التي طبق عليها الصيام حظيت بتلف أقل في الميلين وكانت أعراض مرض التصلب العصبي المتعدد أقل حدة من الفئران التي طبق عليها نظام غذائي طبيعي.
بالإضافة إلى ذلك تحسنت الأعراض في 20 ٪ من الفئران التي تم تطبيق الصيام عليها والتي كانت تعاني من مرض التصلب العصبي المتعدد.
وقام نفس الباحثين بإجراء دراسة صغيرة أخرى ولكن هذه المرة على البشر إذ تقوم على مقارنة الصيام المتقطع مع حمية غذائية عادية. تم تطبيق التجربة على 18 شخصاً قاموا باتباع نظام غذائي يحاكي الصيام لمدة أسبوع فقط ومن ثمّ اتبع هؤلاء الأشخاص حمية عادية تعرف بحمية البحر الأبيض المتوسط. أظهرت النتائج بعد مرور ستة أشهر شعور الأشخاص بتحسن طفيف. بالإضافة إلى أنه قد هدئت لديهم الاستجابة المناعية مثل ما حدث في تجربة الفئران السابقة. لكن لم يكن واضحاً إلى أي مدى قد ساعدهم اتباع الحميتين وهنا نقصد الصيام المتقطع وحمية البحر الأبيض المتوسط.
بيّنت دراسة حديثة أجريت على مجموعة من الفئران أن تطبيق حمية الصيام المتقطع قد أدت إلى تقليص الاستجابة المناعية. إذ كان عدد الخلايا المناعية التي أصيبت بالالتهاب أقل عند الفئران التي كانت تتناول الطعام مرة كل يومين بالإضافة لعدد أكبر من الخلايا التي تساعد على التحكم في الاستجابة المناعية من غيرها من الفئران التي كانت تتغذى يومياً.
وكذلك رصد الباحثون أن تلك الفئران التي طبق عليها الصيام انخفضت لديها أعراض التصلب العصبي المتعدد كالضعف في العضلات وصعوبة المشي.
وتجدر الإشارة أن في كلتا الدراستين كان لدى الفئران التي طبق عليها الصيام مستويات مرتفعة من هرمون الكورتيكوستيرون Corticosterone, الذي يعد هرموناً مضاداً للالتهابات. وبينت أيضاً إحدى الدراسات أن مجموعة الفئران التي تم تجويعها كانت أمعائها تحوي نسبة أكبر من جراثيم الأمعاء النافعة (العصيات اللبنية) Lactobacillus .
وأظهرت أبحاث أخرى أن المصابين بالتهاب التصلب المتعدد يميلون إلى امتلاك عدد أقل من هذه الميكروبات النافعة في أمعائهم، وقد يساعد وجود مزيد من بكتيريا العصيات اللبنية في تقليل حدوث الالتهاب ولكن هذا أمر غير مؤكد.
ستقوم دراسة جديدة مموّلة من قبل الجمعية الوطنية لمرض التصلب العصبي المتعدد من أجل محاولة الحصول على نتائج أدق لمدى تأثير الصيام المتقطع على الأشخاص المصابين بهذا المرض وذلك بمقارنة الصيام المتقطع بالنظام الغذائي الغربي، وسوف تجري على 40 شخصاً مصاباً بمرض التصلب المتعدد وستمتد الدراسة على 12 أسبوع.
المزيد من الدراسات والأبحاث تنتظرنا في المستقبل
يأمل الباحثون في إجراء دراسات أكبر بكثير عن مدى تأثير الصيام المتقطع على مرض التصلب العصبي المتعدد. إذا نجح الأمر، فسوف يحتاج الباحثون أيضاً إلى معرفة نوع الصيام الذي يناسب مرض التصلب العصبي المتعدد بشكل أفضل وكم من الوقت اللازم أو عدد المرات التي سيحتاج المريض إلى اتباع الصيام فيها.
ينصح الأطباء المصابين بمرض التصلب العصبي المتعدد عدم تجريب القيام بالصيام من دون استشارتهم إذ يعتبر الصيام المتقطع صحياً لكنه ليس مناسباً للجميع.
تخطي الوجبات اليومية يمكن أن يكون مسبباً لتقلبات السكر في الدم وله آثار جانبية مثل الإمساك وانخفاض الطاقة ورائحة الفم الكريهة. ويحتاج الصائم أيضاً إلى التأكد من الحصول على جميع العناصر الغذائية الأساسية التي يحتاجها الجسم عند فترة تناول الوجبات.
ينصح بعدم الصيام للأشخاص اللذين يعانون من مرض السكري أو أية اضطرابات في الأكل.