تنوّعت عادات تناول الطعام فيما مضى، أثناء الجلوس، الوقوف، أو الاستلقاء. مثلاً لقد كان من المألوف في روما القديمة واليونان، تناول الطعام أثناء الاستلقاء. فيما بعد أصبحت أكثر عادات تناول الطعام انتشاراً هي الجلوس أثناء تناول الطعام. في الآونة الأخيرة، بدأ بعض الناس يقفون أثناء تناول الطعام، إمّا كوسيلة لتوفير الوقت أو لمواجهة وظيفة مكتبيّة مستقرّة. ومع ذلك، يصرّ آخرون على أنّ الوقوف أثناء تناول الطعام قد يكون ضارّاً لعمليّة الهضم ويؤدّي إلى الإفراط في تناول الطعام.
تأثير وضعيّتك على الهضم
يمكن أن تؤثّر وضعيّتك أثناء تناول الطعام في قدرتك على هضم الطعام. وذلك لأنّ الغذاء يفرغ في المعدة ببطء أكثر عندما يكون الشخص جالساً أو مستلقياً، مقارنةً مع وضعيّة الوقوف. الأسباب الدقيقة لذلك غير معروفة تماماً، ولكن يبدو أنّ الجاذبيّة تلعب دوراً.
قارنت إحدى الدراسات سرعة الهضم لدى النساء اللواتي جلسن أو استلقين بعد وجبة الطعام مباشرة. استغرقت النساء اللائي استلقين حوالي 22 دقيقة إضافيّة لهضم طعامهن، بالمقارنة مع أولئك اللواتي جلسن.
بينما قارنت دراسة أخرى سرعة الهضم في الأفراد الذين استلقوا، جلسوا، وقفوا أو مشوا بعد وجبة الطعام. أولئك الذين استلقوا بعد تناول الطعام استغرقوا نسبة أطول تتراوح بين 54-102٪ لهضم طعامهم، مقارنة مع المجموعات الثلاث الأخرى. من ناحية أخرى، أولئك الذين وقفوا ومشوا هضموا طعامهم بشكل أسرع.
كما قارن الباحثون بين آثار الجلوس والوقوف بعد تناول وجبة الطعام. فكان أن هضم الطعام لدى الأشخاص الذين وقفوا أسرع قليلاً. ومع ذلك، كان الفرق لمدة خمس دقائق صغيراً جداً بحيث لا يعتبر ذو أهميّة كبيرة.
لا توجد دراسات قارنت سرعة الهضم بين الأشخاص الذين وقفوا أو جلسوا بينما كانوا يتناولون طعامهم.
مع ذلك، فإن وجبات الجلوس في الدراسات المذكورة أعلاه كثيراً ما تستهلك بسرعة كبيرة، لذلك يمكن توقع سرعة مماثلة للهضم واقفاً.
إذاً يمكن أن تؤثّر وضعيّتك على مدى سرعة هضم الطعام. فالهضم أبطأ عندما تكون مستلقياً وأسرع عندما تكون واقفاً أو متحركاً. ومع ذلك، يبدو أن هناك فرق بسيط بين الجلوس والوقوف مباشرة بعد وجبة الطعام.
من الممكن أن يسبب الوقوف التخمة
يعتقد بعض الناس أن الوقوف أثناء تناول الطعام يمكن أن يساعد على فقدان الوزن أكثر من الجلوس أثناء تناول الطعام. ومع ذلك، قد يكون العكس صحيحاً.
على الرغم من أنّ الوقوف قد يحرق أكثر من الجلوس بحوالي 50 سعرة حراريّة إضافيّة، لكن هذا الفرق غير كافي لإحداث فرق مع مرور الوقت.
معظم الناس يستهلكون وجباتهم بسرعة نسبياً. حتى في أفضل السيناريوهات، إن استهلاك وجبة الوقوف يساعدك على حرق حوالي 12-25 سعرة حراريّة إضافيّة.
في المقابل، الجلوس لتناول وجبة يقلّل من سرعتك في الأكل، مما يقلّل عدد السعرات الحرارية التي تستهلكها بدرجة أكبر.
تظهر العديد من الدراسات أن تناول الطعام ببطء يقلّل الشهيّة ويزيد مشاعر الامتلاء، وكلاهما قد يقلّل العدد الإجمالي للسعرات الحراريّة المستهلكة خلال وجبة الطعام. وهذا غالباً ما يؤدّي إلى 88 سعرة حراريّة أقل في الوجبة الواحدة.
قد يجعلك تشعر بالجوع
للجسد عدّة طرق لتحديد فيما إذا كنت جائع أم لا، إحداها أن يقوم الدماغ باستشعار كميّة الطعام الموجود في معدتك، إذ تحدّد درجة تمدّد معدتك بعد الوجبة كميّة الطعام الموجودة فيها.
كلّما زاد تمدّد معدتك، كلّما شعرت بجوع أقل. فالأطعمة التي يتم هضمها بسرعة، مثل الكربوهيدرات المعالجة. تزيد الشعور بالجوع أكثر من تلك التي تستغرق وقتاً أطول في الهضم، مثل الألياف والبروتين.
على الرغم من عدم وجود فرق كبير في سرعة الهضم بين الأكل أثناء الجلوس أو الوقوف، إلا أن الحركة تعد عاملاً مهمّاً.
التحرك فوراً بعد تناول الطعام، يؤدّي إلى إفراغ المعدة بشكل أسرع، وهضم الطعام بشكل أسرع بنسبة 30%.
إذاً الأكل أثناء الجلوس قد لا يسبّب الشعور بالجوع، بينما الأكل أثناء الوقوف والحركة قد يزيد شعورك بالجوع بعد الوجبة أكثر من باقي الحالات.
قد يساعد على تقليل الارتجاعReflux (القلس المعدي) والحرقة (الحموضة المعويّة) Heartburn
يحدث الجزر المعدي (القلس) Gastric reflux عند ارتجاع حمض المعدة إلى المريء. وهذا يمكن أن يؤدي إلى الشعور بحرق في منتصف الصدر، والمعروفة عادة باسم الحرقة.
غالباً ما ينصح أولئك الذين يعانون من الارتجاع الوقوف في وضع مستقيم، وتجنّب الاستلقاء أو الانحناء أثناء تناول الطعام، ولعدّة ساعات بعد وجبة الطعام أيضاً.
وذلك لأنّ الاستلقاء يزيد الضغط في المعدة، مما يؤدّي غالباً إلى دفع الطعام مرة أخرى إلى المريء.
يزيد احتمال حدوث الارتجاع أيضاً عند وجود الكثير من الطعام في المعدة. مما يزيد الضغط على الصمام الذي يفصل المريء عن المعدة، فيزداد احتمال ارتجاع محتويات المعدة إلى المريء.
ومن الجدير بالذكر، أنّ تناول الطعام في وضعيّة الجلوس في وضع مستقيم أو الوقوف يمكن أن يقلل من الضغط في المعدة، والحد من احتمال الارتجاع.
علاوة على ذلك، تناول الطعام أثناء الوقوف والحركة، قد يساعد الطعام بالخروج من المعدة بسرعة أكبر، مما يقلل من احتمال الارتجاع والحرقة.
إذاً الأشخاص المصابون بالجزر المعدي أو الحرقة قد يستفيدون من الوقوف في وضع مستقيم أثناء تناول الطعام. علاوة على ذلك، إن الوقوف والمشي أثناء الوجبة قد يسرّع عمليّة الهضم، مما يقلّل من احتمال الارتجاع والحرقة.
من الممكن أن يسبب نفخة Bloating
في بعض الحالات، تناول الطعام أثناء الوقوف قد يمنع الهضم السليم. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن تناول الطعام أثناء الوقوف قد يجعل بعض الأشخاص يتناولون الطعام بسرعة أكبر. مما قد يزيد من كمية الهواء المبتلعة خلال الوجبة، فتتفاقم الغازات والنفخة.
كلما كان جسمك مستقيماً كلما ازدادت سرعة الهضم. ومن الممكن أن يسبب الهضم السريع مشكلة لأنه يجعل الغذاء يصل بسرعة إلى الأمعاء، مما يزيد صعوبة امتصاصها.
عندما يتم هضم الكربوهيدرات، فإنها تميل إلى التخمّر في القناة الهضميّة، مما يسبّب الغازات والنفخة.
يمكن أن يشكو أي شخص من الغازات والانتفاخ من الكربوهيدرات غير المهضومة. ومع ذلك، فإن مجموعتين من الناس من المرجّح بشكل خاص أن يواجهوا مثل هذه الاضطرابات -أولئك الذين يعانون من حساسية Lactose أو حساسيّة من الأطعمة التي يمكن أن تسبّب الغازات FODMAPs.
الناس الذين يتناولون وجباتهم بسرعة أو يتجولون أثناء أو بعد تناول الطعام مباشرة قد تكون سرعة هضم وجباتهم أكثر بنسبة تصل إلى 30٪ من الآخرون. وهذا قد يزيد من احتمال ضعف هضم الكربوهيدرات والغازات والانتفاخ.
إذاً تناول الطعام في وضعيّة الوقوف قد يزيد الغازات والانتفاخ تبعاً لسرعة الأكل وامتصاص المغذيات.
تناول الطعام في وضعيّة الجلوس يعزّز الانتباه
وينبغي أن يكون الحذر جزءاً هاماً من كل وجبة. وتبيّن البحوث أن ممارسة الحذر أثناء وجبات الطعام، يمكن أن يساعدك على تجربة المزيد من المتعة أثناء تناول الطعام وتقليل احتمال الإفراط في تناول الطعام.
جرّب التركيز على كل حواسك أثناء تناول الطعام، فهذا يساعدك على تناول الطعام ببطء أكثر والاستمتاع أكثر بوجبتك.
لا يعني الوقوف ألا تستطيع التركيز أثناء تناول الطعام. ومع ذلك، تناول الطعام بسرعة في وضعيّة الوقوف بين الاجتماعات، يمكن أن يجعل التفكير المدروس أكثر صعوبة.
إذا وجدت صعوبة في التركيز على كميّة طعام مدروسة أثناء الوقوف، فمن الأفضل الجلوس والتمتّع بوجبتك ببطء، بعيداً عن الهاتف والكمبيوتر والتلفزيون وغيرها من الانحرافات.
تناول الطعام في وضعيّة الوقوف قد يجعلك أكثر عرضة للإفراط في تناول الطعام، وأكثر عرضة للجوع السريع أو الشعور بالانتفاخ والغازات.
ومع ذلك، هناك القليل من الأدلّة تدعم فكرة أنّ تناول الطعام في وضعيّة الوقوف أمراً ضاراً. في الواقع، إن تناول الطعام في وضعيّة الوقوف قد يكون مفيداً للحد من الجزر والحرقة. وهذا لا يعني أن تناول الطعام في وضعيّة الوقوف هو بالضرورة أكثر فائدة من تناول الطعام في وضعيّة الجلوس.
لن يكون هناك فروقاً كبيرة إذا كنت جالساً أم واقفاً أثناء الطعام، لطالما أمكنك الإبطاء وتناول الطعام بوعي.