الجلوس لأكثر من ساعتين أمام الشَّاشة يؤثر على دماغ الأطفال

يتحسَّن أداء الأطفال على المستوى العقلي والأكاديمي، عندما يَحدُّون من وقت جلوسهم أمام الشَّاشة لأقل من ساعتين في اليوم، وعندما يتغذون وينامون جيداً ويحافظون على نشاطهم البدني، وذلك يتوافق مع ما تقترحه إحدى الدراسات الحديثة، التي تنصح الآباء بمساعدة أبنائهم على تعلُّم واكتساب العادات الصحية من أجل تقوية قدراتهم العقلية.

بحثت الدراسة مدى استيفاء 4500 طفل في الولايات المتحدة، ممن تتراوح أعمارهم بين 8 و11 عاماً، لما ينصُّه الدليل التوجيهي الكندي للحركة على مدار الأربع والعشرين ساعة للأطفال والشباب.

وجد الباحثون أن 37 في المائة من الأطفال كان لديهم يومياً ساعتين أو أقل من الوقت للاستمتاع أمام الشَّاشة، و51 في المائة كانوا ينامون بشكلٍ متواصلٍ ليلاً من 9 إلى 11 ساعة، و18 في المائة كانوا يمارسون نشاطاً بدنياً تتراوح شدَّته من المتوسطة إلى المرتفعة، لمدَّة 60 دقيقة على الأقل في اليوم.

5 في المئة فقط من الأطفال المشاركين في الدراسة استوفوا المعايير الثلاث المُوصى بها، و29 في المئة لم يستوفوا على الإطلاق أياً من تلك المعايير.

وجد الباحثون أن الأطفال الذين استوفوا المعايير التَّوجيهية للمجالات الثلاث (وقت استخدام الشاشة، النوم، النشاط البدني)، كانوا يتمتَّعون “بإدراكٍ معرفيٍّ عالميٍّ مُتقدِّم”، مقارنةً بمن لم يستوفوا أياً منها، ويتضمَّن هذا الإدراك المعرفي: الذاكرة والانتباه وسرعة المعالجة واللغة. الرابط الأقوى بين المعايير وتحسُّن الإدراك المعرفي كان لوقت استخدام الشَّاشة لوحده، ثم لوقت استخدام الشَّاشة والنوم معاً.

لم ير الباحثون صلةً بين النَّشاط البدني وتحسُّن الإدراك المعرفي، ولكنَّهم أشاروا إلى أنَّ ذلك قد يكون ناجماً عن الافتقار للمعلومات التي تُبين شدَّة وأنواع النَّشاط البدني الذي كان يمارسه الأطفال.

في حين أن المعايير التوجيهية وُضِعت لبيان المعدَّلات الصحية للجلوس أمام الشَّاشة، والنوم، والنشاط البدني للأطفال، إلا أنَّ هذه الدراسة بحثت فقط في كيفية تفاعل تلك العوامل مع بعضها البعض.

يقول مؤلف الدراسة ودكتور الفلسفة جان فيليب شابوت “Jean-Philippe Chaput”، العامل في مستشفى الأطفال التابع لمعهد البحوث في أونتاريو الشرقية: ” أيُّ تغييرٍ في أحد السلوكيات الثلاث سيؤثر على واحدٍ أو اثنين من السُّلوكيات الأخرى، لذلك لا يمكنك النَّظر إلى كلِّ واحدة منها على حدة، بل يجب الجمع بينهم”.

نشرت الدراسة في 26 أيلول في مجلة “The Lancet Child & Adolescent Health “.

وقت الجلوس أمام الشَّاشة والنوم يؤثران على بعضهما

أشارت دكتورة الفلسفة هيذر كيركوريان “Heather Kirkorian”، والتي لم تشارك في الدراسة، إلى أنَّ أحد نقاط قوة الدراسة تكمن في أنَّ الباحثين قاموا بقياس قدرات الإدراك المعرفي بشكلٍ مباشر، بدلاً من الاعتماد على تقييم الوالدين.

لكنها أشارت إلى أنَّ النتائج أظهرت فقط وجود صلةً محدودةً بين هذه العوامل، لكنها لم تكن قادرةً على تحديد العامل المسبب للآخر، وهذا ما أكد عليه شابوت إذ قال: “نحن نعلم أن استخدام الشَّاشة قبل النوم يؤثر سلباً على عمق وجودة نومك، ولكننا نعلم أيضاً أنَّ الأشخاص الذين يكتفون بفترات نومٍ قصيرةٍ يميلون إلى الجلوس أمام الشَّاشة لمدةٍ أطول”.

كما وجدت دراسة حديثة أخرى تأثيراً مماثلاً لوقت استخدام الشَّاشة، والنوم، والنشاط البدني – إلى جانب النظام الغذائي – على الأداء الأكاديمي لأكثر من 4000 شخصٍ تتراوح أعمارهم بين 10 و11 عاماً.

الأطفال المشاركون في هذه الدراسة الذين حققوا المعايير المُوصى بها لوقت استخدام الشَّاشة والنوم، كان أدائهم أفضل في اختبار الكتابة الموحَّد الذي خضعوا له بعد عامٍ واحد، لكنَّ قدرات القراءة والكتابة والرياضيات، تحسَّنت جميعها مع كلِّ سلوكٍ جيدٍ تعلمه الأطفال وأضافوه إلى نمط حياتهم.

أشار مؤلف الدراسة بول فيوجيليرس “Paul Veugelers”، وهو أستاذ الصحة العامة في جامعة ألبرتا، إلى أنَّ تأثير هذه السُّلوكيات الحياتية على الأداء الأكاديمي كان “جوهرياً”.

نظرت هذه الدراسة فقط إلى زمن مشاهدتهم للتلفزيون، الذي قد يستولي على جزءٍ صغيرٍ فقط من الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشَّاشة.

وأضاف فيوجيليرس أنَّ سؤال الأطفال عن عدد المرَّات التي يستخدمون فيها الشاشات، قد يُفقدنا المعلومات المتعلقة بالعادات الصحية الأخرى، ويقول: ” “من النَّاحية الافتراضية “، يمكن أن تُبلِّغ عن الوقت الذي يقضيه طفلٌ في لعب ألعاب الكمبيوتر التَّفاعلية المُتطلِّبة للحركة، بأنَّه مساوٍ للوقت الذي يقضيه أمام الشَّاشة دون حركة “.

ترغب كيركوريان في رؤية المزيد من الأبحاث التي تُقدِّم صورةً أكثر تفصيلاً عن وقت استخدام الشَّاشة، وتقول: “هناك الكثير من البحوث التي تُشير إلى أنَّ نوع النشاط المُمارس أثناء مشاهدة الشَّاشة، والمحتوى والسِّياق الاجتماعي للمعلومات المُتلقاة منها، هي كلها عوامل ذات أهمية “، فعلى سبيل المثال، هناك فرقٌ بين مشاهدة فيلم بمفردك ومشاهدته والتَّحدث عنه مع الآخرين، أو بين لعب ألعاب الفيديو وإجراء الأبحاث المدرسية عبر الإنترنت.

تعلُّم عادات صحية لاستخدام الشَّاشة

شدَّد شابوت على أنَّ “الدراسة لا تنصح بعدم استخدم الشاشات”، ولكنها تقدم الحلول التي تمنع التأثير السلبي لاستخدام الشاشات على جدول مواعيد النوم.

يمكن للضَّوء الأزرق المُنبعث من الشاشات، على وجه الخصوص، أن يعبث بالساعة البيولوجية للجسم، ويُعرقل القدرة على النوم بعمق، ولتجنُّب هذا التأثير يمكن للأطفال (والآباء) إطفاء أجهزتهم قبل ساعةٍ على الأقل من وقت النوم، أو استخدام التطبيقات التي تُتيح خاصية إطفاء الضَّوء الأزرق بعد غروب الشَّمس.

يمكن للوالدين أيضاً أن يتطلعوا على الدلائل الإرشادية لاستخدام الشَّاشة بطريقةٍ صحية، مثل تلك التي نشرتها الأكاديمية الأمريكية لطبِّ الأطفال، إذ تُوصي الأكاديمية الأمريكية لطبِّ الأطفال أن يُحدِّد الوالدين وقت استخدام الشَّاشة بمدةٍ تقل عن ساعتين في اليوم، وذلك بالنسبة للأطفال الذين تبلغ أعمارهم 5 سنوات أو أصغر، ولكن توصياتها الموجهة للأطفال الأكبر سناً والمراهقين كانت أكثر مرونة، فقد ركَّزت أكثر على النشاط الذي يُرافق استخدام الشَّاشة بدلاً من التَّركيز على تحديد مدة زمنية لاستخدامها.

تقول كيركوريان “يجب على الآباء أن يكونوا على درايةٍ بما يفعله أطفالهم، وأن يتحدَّثوا معهم بهذا الشَّأن، لكنَّ الدلائل الإرشادية لا تطلب بالضرورة من الآباء أن يتواجدوا مع أبنائهم في كلِّ دقيقة من وقت استخدامهم للشَّاشة”.

يقول فيوجيليرس أنَّ المسؤولية لا تقع على عاتق الوالدين فقط، بل يجب أيضاً اشراك المدارس ومجالسها، والمدرسين والمنظمات لمساعدة الأطفال على تعلُّم العادات الصحية المُتعلقة بكلٍّ من استخدام الشَّاشة، والأكل والنشاط البدني والنوم.

تُؤكد كلتا الدراستين أنَّ وقت استخدام الشَّاشة ليس سوى عاملاً واحداً يؤثر على قدرات الأطفال المعرفية، لذا يجب على الآباء أن يأخذوا في الحسبان مراقبة سلوكيات أطفالهم على مدار اليوم، لمساعدتهم على تعلُّم العادات الصحية.

يقول شابوت: ” ابدأ يومك بعد ليلة نومٍ هانئة، وحاول قدر الإمكان المحافظة على حركتك ونشاطك، وحاول الحد من وقت الجلوس أو من وقت استخدام الشَّاشة، فذلك سيعود بالنَّفع ليس فقط على صحتك، بل على قدراتك المعرفية أيضاً، وبالنسبة للأطفال، فإنَّ امتلاكهم لقدراتٍ معرفيةٍ أفضل، سيجعلهم ناجحين أكثر في حياتهم”.

الخلاصة

وجد الباحثون أنَّ الأطفال الذين يستخدمون الشَّاشة لأقل من ساعتين في اليوم، ويحظون بالقسط الكافي من النوم، ويمارسون التمارين البدنية بالقدر الموصى به، يتمتعون ” بإدراكٍ معرفيٍّ عالميٍّ متقدم ” مقارنة بالذين لا يمارسون هذه العادات الحياتية، إذ أنَّ هذه العادات الصحية تُحسِّن القدرات المعرفية المشتملة على الذاكرة والانتباه وسرعة المعالجة واللغة.

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top