الإجهاض أو ما يعرف طبياً بالإجهاض التلقائي
هو خسارة المضغة أو الجنين الحي قبل مضي 20 أسبوعاً على الحمل، ووفقاً لمنظمة مارش أوف دايمس “March of Dimes” فإن معظم حالات الإجهاض تحدث خلال الثلث الأول، أي في الأسابيع ال 12 الأولى من الحمل، ومن النادر أن يحدث الإجهاض في الثلث الثاني، أي خلال مدة 13 إلى 19 أسبوع.
يقول الدكتور زيف ويليامز “Zev Williams”وهو مدير برنامج فقدان الحمل المبكر والمتكرر في كلية ألبرت أينشتاين للطب في مدينة نيويورك، وباحث متخصص في حالات الإجهاض: “إن أحد أكبر المفاهيم الخاطئة حول فقدان الحمل هو اعتقاد معظم الناس بأن حالات الإجهاض نادرة الحدوث، ولكن الواقع يدل على عكس ذلك، فحدوث الإجهاض هو أمر شائع بشكل ملحوظ”.
وفي دراسة أجراها ويليامز لأكثر من 1.000 أميركي من الرجال والنساء، وجد أن أكثر من نصف الأشخاص الذين شملتهم الدراسة يعتقدون أن الإجهاض هو أمرٌ نادرُ الحدوث وقدّروا نسبة حدوثه بأقل من 5 بالمئة من مجمل حالات الحمل، ولكن الحقيقة هي أن نسبة 20 إلى 30 بالمئة من كل حالات الحمل تنتهي بالإجهاض، ويشير ويليمز في حديث له لموقع لايف ساينس “Live Science” إلى أن هذه النسبة تعادل تقريباً حالة من كل خمس حالات حمل، أو ما يعادل أيضاً حوالي مليون حالة في الولايات المتحدة الأميركية في كل سنة، ويمكن حتى أن يكون معدل حالات الإجهاض أعلى من الرقم المُبلغ عنه، وذلك لأن الكثير من هذه الحالات تحدث في الأسابيع الأولى من الحمل أي قبل أن تدرك المرأة أصلاً بأنها حامل.
ولأن الإجهاض عرف تقليدياً بأنه من المواضيع المحرّمة فإن النساء اللواتي اختبرن الإجهاض لا يتحدثن عادة عن تجربتهن، وكنتيجة لذلك يمكن أن ينتهي بهن الأمر بالشعور بالذنب والخزي والوحدة، ويشير ويليمز إلى أن كل امرأة تقريباً من النساء اللواتي عالجهن من الإجهاض تلوم نفسها على خسارة الحمل وتشعر بأنها قد ارتكبت خطأ ما تسبب بالإجهاض، ولكن ويليمز يوضح بأنه نادراً ما تكون المرأة هي التي تسببت في الخطأ، لأن معظم حالات الحمل أو 60 إلى 80 بالمئة منها تحدث نتيجة للعدد الغير طبيعي لصبغيات (كروموسومات “chromosomes” ) الجنين، ولكن وبالرغم من هذا فقد أظهرت دراسته أن 76 بالمئة من الأشخاص الذين شملتهم الدراسة يعتقدون أن حالة التوتر هي التي عادة ما تسبب الإجهاض، بينما يظن 64 بالمئة من الرجال والنساء أن رفع الأحمال الثقيلة يلعب دوراً في خسارة الحمل، ولكن وفقاً لويليمز فإن الإجهاض لا يحدث بسبب القيام بحمل شيء ثقيل ولا بسبب حالة التوتر المتواصل أو الانخراط بمشاجرة في العمل.
الأنواع المختلفة للإجهاض
هنالك نوعان من الإجهاض، وهما:
الإجهاض العرضي
يشير ويليمز إلى أن الغالبية العظمة من حالات الإجهاض العرضي تحدث بسبب تلقي المضغة لعدد غير طبيعي من الصبغيات، وهذا الخلل الجيني يمكن أن يحدث خلال عملية التلقيح أي عندما تتحدد النطفة بالبويضة، مما يصعِّب على المضغة عملية النمو والاستمرار بالحياة، ويقول ويليمز: “يستمر جسم المرأة بالعمل بشكل طبيعي عندما يتوقف الحمل“.
الإجهاض المتكرر
وهو النوع الثاني من الإجهاض، وذلك وفقاً للجمعية الأميركية للطب الإنجابي التي أعادت تعريفه بهذا الاسم للإشارة إلى المرأة التي أجهضت لمرتين أو أكثر، ونسبة الإجهاض المتكرر تصل إلى 5 بالمئة لدى الأزواج الذين يحاولون الإنجاب، ويقول ويليمز أن النساء اللواتي اختبرن الإجهاض المتكرر يحملن مجدداً دون مواجهة أية مشكلة وغالباً ما يكون حملهن صحي وطبيعي ولكن يتكرر لديهن الإجهاض، ولمعرفة سبب تكرر حالات الإجهاض يجب على المرأة التي تعاني من هذه المشكلة أن تخضع للفحوصات وتزور الطبيب المختص الذي سيحاول تحديد المسبب المُحتمل، فيمكن أن تُقيَّم الحالة الصحية لها وذلك للكشف عن احتمال وجود مشاكل صحية كمشاكل في تخثر الدم وعدم التوازن الهرموني واضطرابات الغدة الدرقية والإصابة بمرض مناعي ذاتي ووجود جروح أو أورام ليفية في الرحم، ويمكن أن يجري كل من الزوج والزوجة فحوصات للدم من أجل تقييم الحالات الشاذة للصبغيات، ولكن يقول ويليمز أنه من غير المفاجئ عدم العثور على أي مُسبب.
من هن الأكثر عرضة لخطر الإجهاض؟
يقول ويليمز أن عمر الأم يعتبر بأنه العامل الأكثر خطورة حتى الآن في حالات الإجهاض التلقائي، فكلما تقدمت المرأة بالعمر كلما ازدادت فرص احتواء بويضاتها على عدد غير طبيعي من الصبغيات مما يزيد من احتمال حدوث الإجهاض، فإن خطر الإجهاض يزداد مع تقدم الأم بالعمر ويبدأ ذلك بعمر ال 30 وتزداد خطورة حدوثه في عمر ال 35، وذلك وفقاً للمعهد الوطني لصحة الطفل والتنمية البشرية “NICHD”.
والأسباب المحتملة الأخرى لخسارة الحمل تشمل المشاكل الصحية التي تعاني منها الأم كالسكري وارتفاع ضغط الدم ومرض الدرقية واضطرابات المناعة الذاتية (كمرض الذئبة “lupus”)، وذلك ووفقاً للمعهد الوطني لصحة الطفل والتنمية البشرية، أما العوامل الأخرى التي تساهم في خسارة الحمل يمكن أن تشتمل على الحالات الغير طبيعية المتعلقة بالرحم وعنق الرحم بالإضافة إلى حالات العدوى التي تصيب الأم أو الجنين.
أما المرأة الأكثر عرضة للإجهاض بسبب العوامل المتعلقة بنمط الحياة فهي الحامل المدخنة أو التي تشرب الكحول أو التي تتعاطى المخدرات أو البدينة أو التي استهلكت أكثر من 200 ملليغرام من الكافيين (وهي الكمية التي يحتوي عليها كوب من القهوة بحجم 12 أونصة) قبل أن تصبح حاملاً بيوم، فيمكن لهذ أيضاً أن يزيد خطر حدوث الإجهاض، ولكن ليس استهلاك المرأة للقهوة هو فقط ما يزيد خطر الإجهاض لديها فإن الكمية التي يستهلكها زوجها من الكافيين يمكن أن تحدث فرقاً أيضاً، فقد وجدت دراسة أجريت عام 2016 زيادة تقدر ب74 بالمئة لنسبة خطر حدوث الإجهاض لدى الأزواج التي كان فيها الزوج يشرب مشروبان أو أكثر من المشروبات التي تحتوي على الكافيين يومياً قبل الحمل.
ماهي حالة ولادة الجنين الميت؟
وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها فإن حالة ولادة الجنين الميت تحدث إذا تمت خسارة الجنين بعد مضي 20 أسبوع من الحمل، وفي حوالي نصف حالات ولادة الجنين الميت لم يجد الأطباء مسبباً لخسارة الحمل، وذلك استناداً للمعهد الوطني لصحة الطفل والتنمية البشرية.
إن الكثير من المشكلات الصحية والأسباب المتعلقة بنمط الحياة التي ذُكرت أعلاه كمسببات محتملة للإجهاض تنطبق أيضاً على ولادة الجنين الميت، وإن بعض العوامل الإضافية الخطيرة لحدوث ولادة الجنين الميت تشمل مشاكل في المشيمة وحوادث الحبل السري (كالتفاف الحبل السري حول رقبة الجنين) وداء الريسوس Rh disease (الذي يحدث نتيجة لعدم التوافق بين دماء الأم ودماء الجنين) وقلة كمية الأوكسجين التي تصل إلى الجنين أثناء الإنجاب.
ماهي العلامات التي تحذر من احتمال حدوث الإجهاض؟
وفقاً للمؤتمر الأمريكي لأطباء النساء والتوليد فإن أكثر أعراض الإجهاض شيوعاً هي نزيف المهبل ومرور خثرات الدم منه، ويمكن أن تشعر المرأة بتشنجات أسواء من تشنجات الحيض أو بألم متوسط إلى حاد في أسفل الظهر، ويعد أيضاً التناقص المفاجئ لعلامات الحمل (كالغثيان) على أنه تنبيه محتمل آخر لخسارة الحمل، ولكن يشير ويليمز إلى أن الأعراض الواضحة نفسها التي تشير إلى أن المرأة قد اختبرت الإجهاض يمكنها أيضاً أن تحدث خلال الحمل الطبيعي.
كيف يُعالج الإجهاض؟
يقول ويليمز: إن معظم الأزواج الذين اختبروا الإجهاض لمرة أو مرتين دون أن تكون لديهم مشاكل صحية كامنة عادة ما ينعمون لاحقاً بحمل ناجح وصحي، وإن خسارة الحمل غالباً ما تعالج بطريقة من ثلاثة طرق، ولكل من هذه الطرق مخاطره ومنافعه الخاصة.
تعتمد الطريقة الأولى على عدم التدخل الطبي مطلقاً، وقيام المرأة بالانتظار فقط إلى حين حدوث الإجهاض لوحده وبشكل طبيعي، وتكمن ميزة هذه الطريقة بأنها لا تتطلب أي تدخل طبي وهذا أمر جيد، ولكن من سلبياتها أن خسارة الحمل يمكن أن تستغرق أسبوعين حتى تحدث، ويمكن أيضاً للنزيف أن يكون كثيفاً جداً، ولن يستطيع الطبيب الحصول على المعلومات الوراثية المهمة من نسيج الجنين ليقوم بفحصها، فهي يمكن أن تساعده على فهم سبب حدوث الإجهاض.
أما الطريقة الثانية فتعتمد على استخدام دواء يسرع حدوث الإجهاض خلال 6 إلى 12 ساعة وتعود الفائدة من هذا العلاج إلى إمكانية معرفة توقيت خسارة الحمل مما يتيح الفرصة للسيطرة على التشنجات المؤلمة لأنها قد تكون حادة جداً، أما سلبية هذا العلاج فتكمن في صعوبة الحصول على نسيج الجنين من أجل فحصه.
الخيار الثالث للعلاج هو إجراء عملية جراحية تعرف باسم عملية توسيع وكحت الرحم، وفي هذه العملية سيقوم الطبيب بإزالة أية بقايا لأنسجة الجنين من بطانة رحم المرأة، ليتمكن من فحصها لاحقاً، ولكن على كل حال فإن هذه الطريقة ستسبب النزيف كما أنها تعرض الرحم لخطر ضئيل للإصابة بعدوى أو جرح.
كم من الوقت يجب أن ينتظر الزوجان بعد الإجهاض من أجل أن تحمل المرأة مجدداً؟
يقول ويليمز أن الرأي الطبي حيال هذا السؤال تغير مع مرور الوقت، فكان يُطلب من المرأة في الماضي الانتظار لمدة سنة بعد الإجهاض قبل أن تحمل مجدداً، ثم قَصُرت المدة إلى 6 أشهر أما الآن فينصح بثلاثة أشهر، ولتحديد المدة بدقة فإن الطبيب يعتمد على الوقت الذي حدث فيه الإجهاض خلال الحمل، فإن كانت خسارة الحمل قد حدثت في الأسابيع الأولى من الحمل فينصح ويليمز الزوجان بالانتظار حتى مضي دورة شهرية واحدة (معظم النساء يعود الطمث لديهن بعد أربعة إلى ستة أسابيع بعد الإجهاض، وذلك وفقاً لمنظمة مارش أوف دايمس) ولكن إن حدثت خسارة الحمل بعد مضي 20 أسبوع فيقترح ويليمز الانتظار لثلاثة أسابيع على الأقل.
ينصح ويليمز بعد الإجهاض بوجوب مراقبة المرأة من قبل الطبيب أو القابلة، ومن المثالي أن تنتظر المرأة عودة الرحم ومستويات الهرمونات إلى حالتهم الطبيعية، ويشير ويليمز أيضاً إلى أهمية عودة مستويات هرمون الحمل (أو ما يعرف بموجهة الغدد التناسلية المشيمائية البشرية hCG) إلى الصفر لأنه في حال كان لدى المرأة التي أجهضت مستويات متقلبة من هرمون الحمل في دمها وحاولت أن تصبح حاملاً بعد الإجهاض بوقت قصير، فسيكون من الصعب معرفة ما إذا كانت مستويات هرمون الحمل في الدم قد ارتفعت نتيجة لوجود نسيج الجنين من الحمل السابق أو نتيجة للحمل الجديد.
الخلاصة: بعد حدوث الإجهاض يجب على المرأة وزوجها أن يعاودا محاولة الإنجاب عندما يشعر كل منهما أنه جاهز لذلك من الناحية الجسدية والنفسية، وذلك وفقاً لدراسة أجريت عام 2016.