أجريت دراسةٌ لمعرفة كيف يؤّثر انقطاع النّفس النّومي sleep apnea عند الأطفال على ثبات الذّاكرة memory consolidation. وتمّ إيجاد طريقةٍ نافعةٍ لتحديد مستوى التّشتّت عند الأطفال النّاتج عن قلّة النّوم.
لطالما اهتم العلم بالخوض في طبيعة النّوم ووظيفته، والآن سيكشف لنا النّوم الأسئلة العالقة حوله.
يلعب النّوم دوراً هاماً في استحصاف الذّاكرة؛ وعلى الرّغم من أهميّة حركة العين السّريعة (rapid eye movement ) REM إلا أنّ الاهتمام بدأ ينصبّ مؤخّراً على حركة العين غير السّريعة NREM.
وإن كان النّوم يقوّي الذّاكرة فلابدّ أن لانقطاعه تأثيراتٌ سلبيّة. فقد قامت مجموعةٌ من الباحثين مؤخّراً بإجراء دراسةٍ لمعرفة إن كان لانقطاع النّوم لدى الأطفال علاقةٌ بالتّأثير السّلبي على الذّاكرة والنّشاط العصبي.
عدم انتظام التّنفّس أثناء النّوم sleep-disordered breathingوعلاقته بالذّاكرة
ركّز الباحثون في هذه الدّراسة على الأطفال الذين يشكون من عدم انتظام التّنفّس أثناء النّوم وعلاقته بمجموعةٍ من الأعراض ومن ضمنها انغلاق الطّريق التّنفّسي العلوي بدرجاته المختلفة؛ ويعتبر الشّخير أخفّ هذه الأعراض وانقطاع النّفس النّومي أشدّها. حيث يؤدّي إغلاق الطّريق التّنفّسي إلى انقطاع التّنفس لفترات قصيرةٍ خلال النّوم قد تستمرّ من عشرين إلى أربعين ثانيةٍ في المرّة الواحدة، ولعدّة مرّاتٍ في الليلة الواحدة، وأحياناً قد تصل إلى عدّة مرّات في الساعة. ويؤدّي انقطاع التّنفّس إلى انخفاض مستويات الأكسجين في الدّم.
يعتبر عدم انتظام التّنفّس أثناء النّوم أمراً شائعاً حيث يصاب به واحدٌ بين كلّ عشرة أطفالٍ. ورغم الدّراسة المكثّفة لانقطاع النّفس النّومي عند البالغين إلا أنّ الدّراسات المتعلّقة بالأطفال لا تزال متواضعةً.
وكما قد كشفت الدّراسات الحديثة النّقاب عن التّأثير السّلبي لعدم انتظام التّنفّس أثناء النّوم على تحصيل الأطفال العلمي، غافلين عن دراسة اضطراب الذّاكرة قصيرة الأمد عند الأطفال. وربما يكون السّبب في ذلك ارتكاز اختبارات الطّب النّفسي العصبي على الذّاكرة القصيرة الأمد؛ في حين أنّ التّحصيل الأكاديمي يرتكز أيضاً على الذّاكرة طويلة الأمد.
تمرّ الذّاكرة بثلاث مراحل وهي: مرحلة تعلّم المهام أو ما يسمّى بفك الشّيفرة، الاستحصاف أو التثبيت، ثم الاسترداد. ففي مرحلة الاستحصاف تكون آثار الذّاكرة ثابتةً، أي تصبح راسخةً.
وقد تبيّن أنّ للنّوم المتقطّع عند البالغين تأثيرٌ على تثبيت الذّاكرة؛ لكن لم يتمّ التّعمّق في دراسة تأثيره لدى الأطفال.
والهدف من هذه الدّراسة معرفة إن كان بالإمكان قياس اضطرابات الذّاكرة عند الأطفال الذين يعانون من انقطاع النّفس النّومي؛ والتّوسّع في مراحل النّوم المتقطّع.
وكما قد كشفت الدّراسات السّابقة عن أهميّة طور حركة العين غير السّريعة التي تسمّى بالمغزل النّومي sleep spindles (اندفاعاتٌ قصيرةٌ في مخطّط كهربيّة الدّماغ يحدث خلال الحركة غير السّريعة للعين). ولا يجب أن نغفل عن الذّبذبات البطيئة في مرحلة حركة العين غير السّريعة. وجلّ ما يريده الباحثون أن يعرفوا إن كانت تتعطّل خاصتي النّوم هاتين لدى الأطفال الذين يعانون من عدم انتظام التّنفّس أثناء النّوم.
وتمّ اختيار 36 طفلاً تتراوح أعمارهم بين الخامسة والتّاسعة وتقسيمهم إلى ثلاث مجموعات هي: المجموعة المسيطرة (سليمون نتائجهم تؤخذ مقياس لكشف الاختلاف)، الأطفال الذين يشخرون، الأطفال الذين يعانون من انقطاع النّفس النّومي. وتمّ تقييم حالة كلّ طفلٍ في مختبرات النّوم في مستشفى بوسطن بولاية ماساتشوستس.
الاختبار الإدراكي
قبل القيام بهذه الدّراسة، تمّ تدريب الأطفال واختبارهم في مهمّات تخصّ الذاكرةٍ المكانيّةٍ والتّفسيريّةٍ، وتضمّنت إيجاد أوراق اللعب المتماثلة بعد قلبها، كلعبة (الذّاكرة) ولعبة (التّركيز).
كما أجروا مهمّاتٍ حركيّةً ذهنيّةً تتطلب اليقظة وطلب من المشاركين ضغط زرٍّ حال ظهور دائرةٍ حمراء في وسط شاشة الكومبيوتر السّوداء؛ وذلك بغية قياس مستويات التّركيز قبل المهمّات المتعلّقة بالذّاكرة.
وقد تمّ إجراء الاختبار أولاً على الأطفال بعد ثلاثين دقيقةٍ من استيقاظهم في المختبر، ثمّ بعد أسبوع، بعدها تمّ اختبارهم في المنزل بعد ثلاثين دقيقةٍ من استيقاظهم، ثمّ بعد مرور عشر ساعاتٍ.
فوجد الباحثون أنّ المشاركين والذين يعانون من حالةٍ بسيطةٍ من انقطاع النّفس النّومي لديهم خللٌ في تثبيت الذّاكرة.
ولاحظوا ترابطاً بين مستوى الخلل وانخفاض عدد المغازل النّومية في حركة العين غير السّريعة، وانخفاضها أيضاً عند الذين يشخرون أكثر من غيرهم. لكنّهم لم يجدوا علاقةً بين بطء الذّبذبات في طور حركة العين غير السّريعة وتثبيت الذّاكرة.
ولقد استخلصوا من هذه الدّراسة أنّه يتمّ تشتيت عمليّات الذّاكرة حتى في أضعف مستويات عدم انتظام التّنفّس أثناء النّوم؛ واجمعوا على فائدة علاج الأطفال الذين يعانون من انقطاع النّفس النّومي للمساعدة في عمليّات الذاكرة.
يتوقّع الباحثون أن تكون المغازل النّوميّة في طور حركة العين غير السّريعة طريقةً مفيدةً للتّنبّؤ بالتّأثيرات الإدراكيّة لدى الأطفال المصابين بعدم انتظام التّنفس أثناء النّوم. ونظراً لتأثيره على الكثير من الأطفال فلابدّ من فهم نواحي الخلل المحتمل وإيجاد طرقٍ لعكسها.