هل هي مشكلة حسيَّة؟
لنكون واضحين، إنَّ معظم الأمور التي قد تتسبَّب في رفض الطفل للطعام هي أمورٌ – وربما على نحو مثير للخيبة – طبيعية. مرحباً بكِ في عالم الأمومة.
ولكن هنالك بعض المشاكل النادرة جداً، ولكن حدوثها يستدعي قلقاً أكبر. فعلى سبيل المثال، وفي حالاتٍ نادرة، يرفض بعض الأطفال تناول الطعام بسبب معاناتهم من مشاكل حسية تجاه الطعام. هذه المشاكل تختلف تماماً عن مشكلة الطفل الانتقائي الصعب الإرضاء، فالطفل الانتقائي الذي يكره نوعاً معيناً من الطعام، لن يُصاب بالحسية المفرطة في حال تناوله لهذا الطعام.
الأطفال الذين يعانون من مشاكل حسية يمكن أن تنتابهم حساسية تجاه بعض خصائص الطعام كالقوام أو اللون، وتختلف هذه المشكلة من طفلٍ لآخر. على سبيل المثال، إذا كان الطفل لا يتحمل سوى الأطعمة الطرية، فقد تنتابه رغبة بالتقيؤ عند تناوله لأيِّ شيءٍ ذو قوامٍ مُقرمش.
إذا شُخِّصت حالة الطفل على أنَّها مشكلة حسية تؤثر على قدرته على تناول الطعام، فإنَّ التعامل مع هذه المشكلة يستوجب فهم الطفل وإطعامه الأطعمة التي تلائم حواسه، فإذا لم يكن طفلك قادراً على تحمل الأطعمة الخضراء، ولكنه لا يواجه مشكلة مع الأطعمة البرتقالية أو الصفراء، فعندئذٍ يُفضَّل إضافة المزيد من البطاطا الحلوة والجزر إلى قائمة الطعام.
يستفيد أيضاً بعض الأطفال من العلاج التَّغذوي، الذي يُمكِّنهم من تطوير عادات وسلوكيات غذائية صحية. يمكن لهذا النَّوع من العلاج أن يُساعد من يجدون صعوبة في المضغ أو البلع أو تناول قوامٍ معين للطعام، ومعالجة المشاكل الأخرى المتعلقة بالطعام.
هل تكمن المشكلة في المهارات الحركية الفموية ؟
إذا عانى طفلك من صعوباتٍ في التغذية، فقد تكمن مشكلته في مهاراته الحركية الفموية أو في آلية الأكل. ( ونُذكِّر مجدداً أنَّ هذه المشكلة أندر بكثيرٍ من ” الانتقائية الصعبة الإرضاء” ، لكن بعض الأطفال يختبرونها بالفعل.)
تترافق مشكلة المهارات الحركية الفموية بالكثير من السُّعال أو الاختناق أو الرغبة بالتقيؤ أثناء تناول الطعام، ويمكن لذلك أن يتسبَّب في شعور الطفل بالتوتر أو القلق المرتبطين بالغذاء، وفي حال توقُّف طفلك عن تناول الطعام، فمن الممكن أن يُصاب على المدى الطويل بحالة نقص التغذية. إنَّ العلاج التغذوي قد يُساعد طفلك أيضاً في التغلب على هذه المشكلة.
هل المشكلة مرتبطة بالألم ؟
إذا كانت مشكلة رفض الطعام حديثة نسبياً، فقد يكمن سببها في أمرٍ ما يتسبَّب بالألم أثناء الأكل، ويُرجَّح أن يحدث ذلك إذا ظهرت على طفلك علامات أخرى للمرض مثل الحمى أو الإسهال. بدلاً من الشعور بالإحباط، اطرح على طفلك الأسئلة ( إذا كان راشداً بما يكفي للإجابة ) للوصول إلى أصل المشكلة.
تتضمَّن بعض المشكلات التي يمكن أن تجعل الأكل مؤلماً ما يلي:
يمكن أيضاً أن يرفض بعض الأطفال تناول الطعام إذا كان لديهم مشاكل أخرى، إذ يمكن للإمساك أن يؤدي لنفخة البطن، مما قد يُؤثر على شهيته.
أو قد يعاني طفلك من أرجيَّة غذائيَّة أو حساسية، تُحدِث آلاماً في الفم أو المعدة أو غازات البطن بعد تناول طعام معين. ونتيجة لذلك، قد يبدأ في قرن الطعام بالألم ورفض عناصره.
هل المشكلة سلوكية؟
يمكن للأطفال أن يكونوا عنيدين لمجرد العناد. ( خذ نفساً عميقاً، وذكّر نفسك بأنَّ هذه الصفة ليست سيئة بالضرورة، ومن الممكن حتى أن تكون نافعة في وقتٍ لاحق.)
لكن قد توجد في بعض الأحيان مشاكل أعمق، تطرأ نتيجة حدوث تغيير كبير في حياة الطفل، كانتقال العائلة إلى منزلٍ أو مدينة جديدة، أو موت أحد أفراد الأسرة أو الحيوان الأليف، فبعض الأطفال يفقدون شهيتهم ويتوقفون عن الأكل بسبب مواجهة موقفٍ عصيب.
وما يدعي للتفاؤل هو أنَّ رفض تناول الطعام في هذه المواقف عادة ما يكون مؤقتاً، ويمكن مساعدة الطفل من خلال التحدث معه عن الموقف وطمأنته ليشعر بالتحسُّن.
ضع في الحسبان أيضاً، أنَّ الطفل قد يتوقف عن تناول الطعام كوسيلة لفرض بعض السيطرة في حياته. لكن لا ينبغي أن تصبح وجبات الطعام سبباً للصراع المستمر بينه وبين والديه.
إذا شعرت أن المشكلة الأساسية هي السيطرة، فننصح بتقديم نوعٍ واحدٍ على الأقل من الطعام الذي سيأكله طفلك، وإذا لم يُنهي طبقه فلا تعطي الأمر أكثر مما يستحق، فكلَّما أكثرت عليه في الإلحاح ليأكل، كلما زاد رفضه لتناول الطعام.
هل يعاني من اضطراب الأكل ؟
يمكن أن يُصاب الأطفال باضطرابات الأكل. واضطراب تناول الطعام التجنبي التقييدي هو أحد الأنواع النادرة التي يمكن أن تؤثر على الطفل، وفي هذا النوع يصبح رفض الطعام والحد منه شديداً، لدرجة إصابة الطفل بعوزٍ في التغذية و الطاقة.
الأطفال المصابون بهذا الاضطراب يعانون من صعوبة في الاستمرار بالنمو السليم، كما أنَّ تجنبهم للطعام يؤثر على مجالاتٍ أخرى من حياتهم، مثل المدرسة والعلاقات الاجتماعية.
بعض الأطفال الأكبر في العمر قد يعانون أيضاً من النُّهام أو فقدان الشهية المرضي.
يمكن أن تشمل العلامات المحتملة لاضطراب الأكل ما يلي:
- دوارٌ وغيبوبة
- انخفاض درجة حرارة الجسم
- نقصان الوزن عن المعدل الطبيعي
- فقدان الوزن الحاد
- القلق
- التقيؤ
- عدم انتظام الدورة الشهرية
- بطء النمو
- هشاشة الأظافر
- تَكَدُّم
- تساقط الشعر
في حال الاشتباه بوجود اضطراب في الأكل، يجب التحدث إلى الطفل وإعلام طبيبه بهذه المخاوف.
الخلاصة
إنَّ رفض تناول الطعام يعتبر من التحديات الشائعة التي يواجهها الوالدين، وفي الواقع، غالباً ما يكون هذا الرفض جزءاً طبيعياً من مرحلة نمو الطفل الصغير، وقد تسبب هذه المشكلة الكثير من القلق للوالدين، ولكنها عادة ما تكون طبيعية ومؤقتة وتختفي من تلقاء نفسها.
وفي حين أنَّ الانتقائية أو التقلبات الطبيعية لشهية الطفل قد تكون هي المشكلة الأساسية، إلا أنها ليست دائماً السبب الوحيد، فاعتماداً على المدة التي تستمر فيها حالة الرفض والأعراض الأخرى، يمكن معرفة ما إذا كانت ناتجة بالفعل عن مشكلة أخرى يجب معالجتها.
إنَّ إيجاد السبل الإيجابية لمعالجة رفض الطعام قد يساعد في حلِّ المشكلة، والاستمتاع أكثر بوجبات الطعام، ولكن إذا اشتبهت بوجود مشاكل كامنة تتجاوز في خطورتها الوضع الطبيعي، فيجب أن تستشير طبيب الأطفال.