حوالي 5 ملايين طفلٍ في الولايات المتحدة، يعانون من أحد أنواع الأمراض العقلية الخطيرة (أي التي تُؤثِّر بشكلٍ كبيرٍ على الحياة اليومية)، وفي كلِّ سنة، يتمُّ تشخيص 20 ٪ من حالات الاضطراب لدى الأطفال الأمريكيين على أنها مرضٌ عقليٌّ.
إنَّ مصطلح “المرض العقلي أو النفسي” ليس دقيقاً تماماً، لأنَّ العديد من العوامل “الجسدية” تلعب دوراً في تطوُّر المرض العقلي، ونذكر منها عاملا الوراثة وكيمياء الدماغ، ولهذا السبب يمكن علاج العديد من الاضطرابات العقلية بفعاليةٍ، من خلال الأدوية أو المعالجة النفسية أو بمزيجٍ من كليهما.
الصحة العقلية عند الأطفال
قد يواجه الأطباء صعوبةً في تحديد الاضطرابات العقلية عند الأطفال، لأنَّ الأطفال يختلفون عن البالغين في كونهم يمرُّون في العديد من التَّغيُّرات البدنية والعقلية والعاطفية خلال فترة نموهم الطبيعي، كما أنَّهم في طور تعلُّم كيفية التَّكيُّف والتَّعامل ومواجهة الآخرين والعالم من حولهم.
علاوة على ذلك، فإنَّ سرعة النضوج تختلف من طفلٍ إلى آخر، وما يُعتبر “طبيعياً” عند الأطفال يقع ضمن نطاقٍ واسعٍ من أوجه السلوك والقدرات، ولهذه الأسباب يجب على أيِّ تشخيصٍ للاضطراب العقلي، أن يُراعي مدى حسن أداء الطفل في المنزل وضمن الأسرة وفي المدرسة ومع الزملاء، بالإضافة إلى عمر الطفل وأعراضه.
ما هي اضطرابات الصحة العقلية الأكثر شيوعاً عند الأطفال؟
هناك العديد من الأنواع المختلفة للاضطرابات النفسية التي تأثر على الأطفال والمراهقين، والتي تشمل ما يلي:
-
اضطرابات القلق:
يستجيب الأطفال الذين يعانون من اضطرابات القلق بخوفٍ ورعبٍ تجاه حالاتٍ أو أمورٍ معينة، كما تظهر عليهم علامات القلق الجسدية (التوتر العصبي)، كتسارع دقات القلب والتعرّق. -
اضطراب نقص الانتباه مع فرط النَّشاط:
يعاني الأطفال المصابون بهذا الاضطراب بشكلٍ عام من مشكلاتٍ في الانتباه أو التَّركيز، ولا يتَّبعون التوجيهات الموجهة لهم، ويشعرون بسرعة بالملل و/أو الإحباط عند قيامهم بالمهام المختلفة، كما أنَّهم يميلون إلى الحركة المستمرة والتهوُّر (لا يفكرون قبل أن يتصرفوا). -
اضطراب السلوك الممزق:
الأطفال الذين يعانون من هذه الاضطرابات، يميلون إلى تحدي القواعد، وغالباً ما يمارسون ممارساتٍ مخربةٍ في البيئات المُنظَّمة، مثل المدرسة. -
اضطرابات نمو شاملة:
يتَّصف تفكير الأطفال الذين يعانون من هذه الاضطرابات بأنه مشوشٌ، إذ أنهم عادة ما يواجهون المشاكل في فهم العالم من حولهم. -
اضطرابات الأكل:
تشتمل اضطرابات الأكل على انفعالاتٍ عاطفية وسلوكيةٍ حادةٍ، بالإضافة إلى سلوكياتٍ غير طبيعيةٍ مرتبطةٍ بالوزن و/أو الطعام. -
اضطرابات الإخراج:
هي الاضطرابات التي تُؤثِّر على السلوك المتعلق باستخدام الحمام، ويعدُّ التبول اللاإرادي، أو بلل الفراش، الاضطراب الأكثر شيوعاً من اضطرابات الإخراج. - اضطرابات التعلُّم والتَّواصل: يعاني الأطفال المصابون بهذه الاضطرابات من مشكلاتٍ في تخزين المعلومات ومعالجتها، بالإضافة لمشاكل في ربط أفكارهم وآرائهم.
-
الاضطرابات المزاجية (الوجدانية):
تتمثل هذه الاضطرابات باستمرار مشاعر الحزن و/ أو تغيرات المزاج السريعة، التي تشمل الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب. يوجد تشخيصٌ جديدٌ لحالةٍ تُدعى باضطراب تقلبات المزاج التخريبية، وهي حالةٌ تحدث في مرحلتي الطفولة والمراهقة، وتشتمل على الانفعال المزمن أو المُستمر وعلى نوبات الغضب المُتكررة. -
الفصام:
يتمثل هذا الاضطراب بتشوه مفاهيم وأفكار المريض. -
اضطرابات التشنج اللاإرادي:
تتسبب هذه الاضطرابات بصدور حركاتٍ وأصواتٍ مُتكررةٍ ومفاجئةٍ وغير إراديةٍ (لا يفعلها الشخص عن قصد)، وغالباً ما تكون بلا معنى، وتدعى هذه الأفعال بالتشنجات اللاإرادية.
بعض هذه الاضطرابات، مثل اضطرابات القلق واضطرابات الأكل واضطرابات المزاج والفصام، يمكن أن تحدث عند البالغين والأطفال أيضاً، أما بعضها الآخر فيبدأ في مرحلة الطفولة فقط، ولكن هذه الاضطرابات يمكن أن تستمر حتى مرحلة البلوغ. ليس مستغرباً أن يعاني الطفل من أكثر من اضطرابٍ واحدٍ.
ما هي أعراض الأمراض العقلية عند الأطفال؟
تختلف الأعراض عند الأطفال اعتماداً غلى نوع المرض العقلي، ولكن بعض الأعراض العامة تشمل ما يلي:
- تعاطي المخدرات و/أو الكحول
- عدم القدرة على التعامل مع المشاكل والأنشطة اليومية
- تغيرات في عادات النوم و/أو الأكل
- الاشتكاء بشكلٍ مفرطٍ من الأمراض الجسدية
- عدم الامتثال لأوامر الجهات المسؤولة عنهم، أو التغيُّب عن المدرسة، أو السَّرقة، أو تخريب الممتلكات
- الخوف الشديد من اكتساب الوزن
- البقاء في مزاجٍ سيءٍ لوقتٍ طويلٍ، وغالباً ما يكون مصحوباً بضعف الشهية والتفكير بالموت
- نوبات الغضب المُتكرِّرة
- تغيرات في الأداء المدرسي، مثل الحصول على درجاتٍ ضعيفةٍ بالرغم من بذل الجهود الجيدة
- فقدان الاهتمام بالأصدقاء والأنشطة التي كانوا يستمتعون بها عادة
- زيادة كبيرة في الوقت الذي يقضيه الطفل وحيداً
- القلق أو التوتر المفرط
- فرط النشاط
- رؤية الكوابيس أو الشعور بالذُّعر الليلي بشكلٍ متواصلٍ
- الإصرار على عدم إطاعة الأوامر أو التصرف بسلوكٍ عدوانيٍّ
- سماع أصوات أو رؤية أشياء غير موجودة (هلوسات)
ما هي أسباب الاضطرابات العقلية عند الأطفال؟
إنَّ السبب الدقيق لمعظم الاضطرابات العقلية غير معروف، لكن الأبحاث تُشير إلى وجود مجموعة من العوامل التي يمكن أن تلعب دوراً في التسبب بالاضطرابات العقلية، بما في ذلك الوراثة والبيولوجيا والصدمة النفسية والضغوط البيئية.
-
الوراثة (الجينات):
إنَّ العديد من الاضطرابات العقلية تسري في العائلات، مما يشير إلى أنَّ تلك الاضطرابات، أو بعبارةٍ أدق، قابلية التعرُّض لتلك الاضطرابات، يمكن أن تنتقل من الآباء إلى الأطفال من خلال الجينات. -
البيولوجيا:
كما هو الحال عند البالغين، ارتبطت العديد من الاضطرابات العقلية بخللٍ في أداء مناطق معينة من الدماغ، تتحكم في العواطف والتفكير والإدراك والسلوك، كما يمكن أحياناً أن تؤدي الصدمات التي تصيب الرأس إلى تغيراتٍ في المزاج والشخصية. -
الصدمة النفسية:
قد تُثار بعض الاضطرابات النفسية بسبب التعرُّض لصدمةٍ نفسيةٍ، كتعرُّض الطفل لإساءةٍ كبيرةٍ سواء كانت عاطفية أو جسدية أو جنسية، أو اختبار شعور الفقدان في عمرٍ مُبكرٍ، مثل فقدان أحد الوالدين؛ والإهمال. -
الضغوط البيئية:
يمكن أن تُؤدي الأحداث المقلقة أو المؤلمة إلى إثارة الاضطراب عند شخص لديه القابلية للإصابة باضطرابٍ عقلي.
كيف يتمُّ تشخيص المرض العقلي عند الأطفال؟
كما هو الحال عند البالغين، يتم تشخيص الاضطرابات العقلية عند الأطفال بالاعتماد على العلامات والأعراض، ولكن تشخيص الأمراض العقلية عند الأطفال قد يكون من الأمور الصعبة للغاية، فالعديد من السلوكيات التي يُنظر إليها على أنها أعراضاً للاضطرابات العقلية، مثل الخجل والقلق (التوتر العصبي) والعادات الغذائية الغريبة ونوبات الغضب، يمكن أن تحدث كجزءٍ طبيعيٍّ من نموِّ الطفل، لذا فإن السلوكيات لا تُعتبر أعراضاً إلا عندما يتكرر حدوثها بكثرة، أو عندما تدوم لفترةٍ طويلةٍ أو عندما تحدث في عمرٍ لا تحدث فيه عادة، أو عندما تتسبَّب بخللٍ كبيرٍ في حياة الطفل و/أو العائلة.
في حال وجود الأعراض، سيبدأ الطبيب بإجراء تقييمٍ من خلال قيامه بفحصٍ للتاريخ المرضي والتنموي للمريض بالإضافة لفحصٍ جسديٍّ، وعلى الرغم من عدم وجود الفحوصات المخبرية التي تشخص الاضطرابات العقلية بشكلٍ مُحددٍ، إلا أنَّ الطبيب قد يلجأ لعدة اختبارات تشخيصية، كالتصوير العصبي وتحاليل الدم، ليستبعد الأمراض الجسدية أو الآثار الجانبية للأدوية، فهذه العوامل يمكن أن تُسبِّب الأعراض.
إن لم يكتشف الطبيب وجود مرضٍ جسديٍّ، فيمكن إحالة الطفل إلى أخصائيٍّ في الطب النفسي للأطفال أو المراهقين، أو إلى أخصائيي الرعاية الصحية المدربين بشكلٍ خاصٍ على تشخيص وعلاج الأمراض العقلية عند الأطفال والمراهقين. يعتمد أطباء وعلماء النفس في محاورة وتقييم الطفل على الوسائل المُصمَّمة خصيصاً لتقدير حالة الاضطراب العقلي عنده. يَسنِدُ الطبيب تشخيصه على التقارير المعدَّة عن أعراض الطفل، والملاحظات المتمحورة حول تصرفاته وسلوكه، ويضطرُّ الطبيب غالباً إلى الاعتماد على تقارير والدي الطفل ومعلميه وغيرهم من البالغين، لأن الأطفال غالباً ما يواجهون صعوبةً في شرح مشاكلهم أو فهم أعراضهم، ومن ثمَّ سيحدِّد الطبيب ما إذا كانت أعراض الطفل تُشير إلى اضطرابٍ عقليٍّ معينٍ أم لا.
كيف تُعالج الأمراض العقلية عند الأطفال؟
تتطلَّب الأمراض العقلية علاجاً متواصلاً مثلها مثل العديد من الاضطرابات الطبية، كمرض السكري أو أمراض القلب. على الرغم من إحراز تقدمٍ كبيرٍ في علاج الاضطرابات العقلية عند البالغين، إلا أنَّ علاج الأطفال ليس مفهوماً بشكلٍ جيدٍ، إذ لا يزال الخبراء يستكشفون الفرق بين العلاجات بالنسبة لكلِّ حالةٍ يعاني منها الأطفال. في الوقت الرَّاهن، فإنَّ العديد من خيارات العلاج المُستخدمة للأطفال، بما في ذلك العديد من الأدوية، هي نفسها المستخدمة للبالغين ولكن مع اختلافٍ في الجرعات. تشمل خيارات العلاج الأكثر شيوعاً ما يلي:
- الأدوية: تشمل الأدوية التي تُستخدم غالباً لعلاج الاضطرابات العقلية عند الأطفال: مضادات الذهان ومضادات الاكتئاب والأدوية المضادة للقلق والمنشطات ومثبتات المزاج.
- المُعالجة النفسيَّة: يختصُّ العلاج النفسيُّ بمعالجة الاستجابة العاطفية للأمراض العقلية، فمن خلال هذا العلاج يقوم خبراء الصحة العقلية بمساعدة المرضى على التعامل مع مرضهم، وغالباً ما يتمُّ ذلك عبر مناقشة الاستراتيجيات التي تُساهم في فهم الأعراض والأفكار والسلوكيات والتَّعامل معها. إنَّ أنواع العلاج النفسي التي تُستخدم عادةً مع الأطفال هي: المعالجة الداعِمة والعلاج المعرفي السلوكي والعلاج التفاعلي والمعالجة الجماعية والعلاج الأسري.
- العلاجات الإبداعية: بعض العلاجات، مثل العلاج بالفن أو العلاج باللَّعب، يمكن أن تكون مفيدة، وخاصة مع الأطفال الصغار الذين قد يواجهون مشكلةً في إيصال أفكارهم ومشاعرهم.
ما هي الآثار الجانبية لعلاج الأمراض العقلية؟
تختلف الآثار الجانبية باختلاف الدواء، وبعض الأطفال غير قادرين على تحمُّل بعض الأدوية. على الرغم من أن العقاقير الموافق عليها من قبل إدارة الغذاء والدواء لعلاج الاضطرابات العقلية عند الأطفال، تُعتبر آمنة بشكل عام، ولكن قد يحتاج الطبيب لتغيير الأدوية أو الجرعات للحدِّ من الآثار الجانبية. قد يتطلب الأمر المرور ببعض التجارب والأخطاء للعثور على الأدوية المناسبة لكلِّ طفلٍ.
ما أهمية العلاج بالنسبة للأطفال المصابين بالاضطرابات العقلية؟
إنَّ عدم معالجة الاضطرابات العقلية يمكن أن يجعل العديد منها يستمر إلى مرحلة البلوغ، ويؤدي إلى مشاكل في جميع جوانب حياة الشَّخص البالغ. إنَّ الذين يعانون من اضطراباتٍ عقليةٍ غير مُعالجة، هم عرضة بشدةٍ لخطر الوقوع بالكثير من المشاكل، بما في ذلك تعاطي الكحول أو المخدرات، وهم عرضة أيضاً (تبعاً لنوع الاضطراب) لممارسة العنف أو السلوك المُدمِّر للذات، وحتى الانتحار.
عندما يُعالج الاضطراب كما يجب وفي وقتٍ مبكرٍ، فإنَّ العديد من الأطفال سيكونون قادرين على التَّعافي التَّام من اضطرابهم العقلي، أو السيطرة على أعراضهم بنجاح. على الرغم من أن بعض الأطفال يصبحون معاقين في مرحلة البلوغ بسبب اضطرابٍ عقليٍّ مزمنٍ أو حادٍ، لكن العديد ممن يعانون من مرضٍ عقليٍّ، مثل الاكتئاب أو القلق، قادرين على العيش حياة كاملة ومثمرة.
ما هي الأبحاث التي أجريت على الاضطرابات العقلية عند الأطفال؟
تركَّزت معظم الأبحاث، حتى الآن، حول الأمراض العقلية عند البالغين. لكن مجتمع الصحة العقلية بدأ الآن بالتركيز على الأمراض العقلية عند الأطفال. يدرس الباحثون مرحلة النمو في عمر الطفولة من حيث ما هو طبيعي وما هو غير طبيعي، في محاولةٍ لفهم كيف يمكن للعوامل المؤثرة في النمو أن تأثير على الصحة العقلية، والهدف من ذلك هو محاولة التنبؤ (ومنع) المشاكل المقترنة بالنمو، والتي يمكن أن تؤدي إلى مرضٍ عقليٍّ. جزءٌ أساسيٌّ من هذا البحث هو تحديد العوامل الخطرة التي تزيد من فرص تعرُّض الطفل لاضطرابٍ عقليٍّ، وبالإضافة إلى ذلك، يدعو مجتمع الصحة النفسية إلى إجراء المزيد من الأبحاث حول الأدوية المُستخدمة لعلاج الأطفال المصابين باضطراباتٍ عقليةٍ.
هل يمكن الوقاية من الاضطرابات العقلية عند الأطفال؟
معظم الاضطرابات العقلية تنجم عن مجموعةٍ من العوامل ولا يمكن الحيلولة دون وقوعها، ومع ذلك، فإذا تمَّ التعرُّف على الأعراض والبدء بالعلاج في وقتٍ مُبكرٍ، سيصبح من الممكن منع العديد أو على الأقل تقليل العديد من تأثيرات الاضطراب العقلي المؤلمة والمُسببة للإعاقة.