لعلَّ الكثير منا قد اختبروا ما يُعرف بمتلازمة الأغنية العالقة أو “دودة الأذن”، والتي تتمثل بعدم قدرتنا على إخراج أغنيةٍ ما من أذهاننا، ويحدث ذلك مثلاً عندما نُشغل المذياع في السيارة ونُكرر في كل ساعة سماع نفس الأغاني، ومن ثم نجد أنفسنا فجأة نُدندن إحدى الأغاني، ونسمعها تُعاد باستمرار في أذهاننا، فما الذي يجعل بعض الأغاني تعلق أكثر من غيرها في الذهن؟
يقترح الباحثون في جامعة درهام أن بعض الأغاني تميل لأن تعلق في الذهن أكثر من غيرها، حيث يعتمد ذلك على لحنها، ففي بيان للدكتورة كيلي جاكوبوفسكي “Kelly Jakubowski” المختصة في قسم الموسيقى في جامعة درهام تقول فيه: ” يبدو أن لهذه الألحان الجذابة التي تعلق بالذهن إيقاعاً سريع الرتابة، بالإضافة لتميز اللحن بصيغةٍ أو نمطٍ مألوفٍ وبفرادةٍ في فتراته الفاصلة أو المُتكررة”.
حوالي تسعين بالمئة من الناس يختبرون ظاهرة دودة الأذن لمرة واحدة في الأسبوع على الأقل، مع العلم أن هنالك من يختبرها أكثر من غيره، فوفقاً للدكتورة جاكوبوفسكي، تحدث تلك الظاهرة عموماً في الأوقات التي يكون فيها نشاط الدماغ منخفضاً، كعند الاستحمام أو المشي أو القيام بالأعمال المنزلية المعتادة.
في دراسةٍ نشرت في مجلة علم نفس الجماليات والإبداع والفنون ” Psychology of Aesthetics, Creativity and the Arts “، حدَّد الباحثون فيها ثلاثة خصائصٍ مميزةٍ تُعرِّف الأغاني المسماة بدودة الأذن، ألا وهي: الإيقاع وصيغة اللحن وبعض الفترات الفاصلة الفريدة.
من حيث الإيقاع، تتصف الأغاني التي تعلق بالذهن بأنها ذات إيقاعٍ فرحٍ وسريعٍ، بالإضافة إلى أنها قادرة على إثارة الناس للتحركِ على نغمتها، فعلى سبيل المثال وجدت دراسة سابقة أن الأغاني التي يستمع إليها الناس أثناء الركض أو ممارسة الرياضة تميل إلى نقل المُستمع إلى حالةٍ تُدعى “الاسترسال” يكون فيها الشخص منغمساً بشكلٍ كاملٍ فيما يعمله، حيث يشعر بأن جسده يعمل بطريقة آلية، وعادة ما تُرتَّب قائمة الأغاني تلك بما يتوافق مع مراحل النشاط الرياضي، فتبدأ القائمة مثلاً بموسيقى تتناسب مع مرحلة الإحماء والتمدُّد المبدئية، ومن ثم تنتقل إلى أغاني مرحلة الحركات المُنشطة للقلب والتي تزداد في شدتها تدريجياً، وبعد ذلك تبدأ النغمات المتناسبة مع تمارين القوة، إلى أن تنتهي قائمة الألحان تلك بالأغاني الأهدأ والتي تتماشى مع المرحلة النهائية للتمرين، وتميل هذه الأغاني أيضاً لأن تعلق بالذهن أكثر من غيرها، وذلك بسب الزيادة التدريجية في حدتها بحيث تُتبع في ما بين ذلك بانخفاض وزيادة في الحدة.
أما بالنسبة لمعالم اللحن أو صيغته فهي مسؤولة عن تحديد ما إذا كانت الأغنية يمكن أن تعلق بالذهن لوقت طويل أم لا، فالأغاني التي تُسبب ظاهرة ” دودة الأذن” تتصف بأنها بسيطة التركيب، ولكنها تمتلك نمطاً إيقاعياً واضحاً، ونذكر على سبيل المثال ترنيمة الأطفال الشهيرة “Twinkle, Twinkle, Little Star” فنلاحظ في تلك الأغنية ارتفاع طبقة الصوت ومن ثم انخفاضها لتعود وترتفع مجدداً بازدواجيةٍ متناسقة، لذا فإن هذه الأغنية تتمتع بلحن يسهل تذكره مما يجعلها حتماً من الأغاني التي تعلق في الذهن.
نذكر أخيراً أن الفترات الفاصلة في الأغاني التي تعلق في الذهن تمتلك تركيباً فريداً، ويتجلى ذلك مثلاً في النقلات المفاجئة أو في سماعنا لعدد أكثر من النوتات المتكررة مقارنةً بعدد النوتات المتكررة التي نسمعها في الأغنية الشعبية العادية، وكمثالٍ على ذلك نذكر النغمات الموسيقية القصيرة المتكررة في أغنية ” My Sharona” لفرقة ” The Knack ” والتي تضمُّ فتراتٍ قصيرة ذات تركيبٍ فريدٍ.
واعتماداً على البحث الذي أُجري حول طبيعة الأنغام التي تعلق في الذهن، تقول الدكتورة جاكوبوفسكي: “نعلم الآن أنه وبغض النظر عن مدى نجاح الأغنية، يوجد ملامحٌ معينةٌ للحن تجعله أكثر قدرة على أن يعلق بأذهان الناس”
كيف نخرج تلك الأغاني من أذهاننا؟
ادعت دراسة أُجريت عام 2015 ونشرت في المجلة الفصلية لعلم النفس التجريبي ” Quarterly Journal of Experimental Psychology” أن مضغ العلكة يوفر حلاً بسيطاً لتلك المشكلة.
ففي سلسلةٍ من التجارب وجد أن المشاركين الذين تم إعطاؤهم علكة ليمضغوها أبلغوا عن تعرضهم لظاهرة دودة الأذن لمرات أقل من الذين لم تُقدم لهم العلكة، والسبب وراء ذلك يتعلق بجهاز إنتاج الصوت لدى الإنسان، وبما أن هذا الجهاز يشترك في الغناء، فيفترض العلماء أن انشغال الفك عن الغناء بسبب عملية المضغ يؤدي إلى إضعاف قدرتنا على تخيُّل اللحن في أذهاننا.