تشير الأبحاث إلى أهمية تخطي “عتبة الأمان” كي تبقَ يافع البدن والعقل.
كلما تقدمنا في السنّ، كلما صعبت مهمة العثور على أشخاصٍ أكبر منا لنقتدي بهم. ولكن في السنوات القليلة الماضية، استطاعت العلوم الطبية تحديد مجموعة جديدة قد نسعى إلى الانضمام إليها وهي المسنون الخارقون. ويشير هذا المصطلح إلى المسنين في السبعينات والثمانينات من العمر والذين يتمتعون بقدرة عقلية وجسدية تتوافق مع من يصغروهم سنا بعقود.
ما الذي يمنحك القدرات الإدراكية لمسنّ خارق؟
درس الدكتور Bradford Dickerson، وهو عالم أعصاب في مستشفى ماساشوسيتس العام التابع لهارفارد، المسنين الخارقين لعدة سنوات. وقد أظهرت النتائج أن التحديات العقلية الجديدة قد تكون المفتاح للحفاظ على كلّ من النسيج الدماغي، والوظيفة العقلية.
في دراسة واحدة اشتملت على 81 ناضج سليم – 40 منهم كانوا بين 60 و80 سنة من العمر، و41 منهم كانوا بين 18 و35 – طلب من الجميع قراءة لائحة من ستة عشر اسماً ولستّ مرات وبعد عشرين دقيقة، سأل الجميع عنها وطلب منهم تذكر أكبر عدد ممكن من الكلمات. رغم أن 23 مشاركاً مسناً لم يستطع تذكر ما يزيد عن 9 كلمات، وهو عدد وسطي ملائم لهذه المجموعة العمرية، استطاع 17 آخرون – المسنون الخارقون – تذكر 14 كلمة أو أكثر، وهو عدد قريب جداً من العدد الذي أحرزه المشاركون الأصغر سناً.
كما خضع المشاركون لتصويرٍ بالرنين المغناطيسي الوظيفي، وهي تقنية تسمح بتصوير الدماغ أثناء عمله. لاحظ الباحثون أن بعض مناطق الدماغ بدت أرقّ – وهو مؤشرٌ لفقدٍ خلوي – عند الأشخاصٍ المسنين الذين سجّلوا نقاطاً عاديّة في الاختبارات، ولكنهم لم يلحظوا هذا الترقق النسيجي عند أولئك المسنين الذين سجّلوا نقاطاً تتوافق مع أعمارٍ أصغر. هذه المناطق المحددة من الدماغ مرتبطةٌ بوظائف عديدة، بما في ذلك الانفعال، واللغة، والتوتر. كما أنها مناطق مسؤولة عن تنظيم أعضاءٍ داخلية وتنسيق الوارد الحسيّ للوصول إلى تجربةٍ متجانسة. فكلما ازدادت سماكة هذه الأماكن من الدماغ، تحسّن أداء الشخص في اختبارات الذاكرة والانتباه، كما في اختبار تذكر الكلمات.
رغم أن المسنين الخارقين يعانون من فقدٍ أقل للخلايا من أنسجتهم الدماغية مقارنةً بأقرانهم، إلّا أن مستويات ذكائهم ومستوياتهم التعليمية متوافقة تماماً. وقد يكون منظورهم المختلف لحل المشاكل هو ما يميزهم عن غيرهم، يقول الدكتور Dickerson: “قد يقارب هؤلاء الأشخاص الاختبارات على أنها تحدّ يستطيعون تجاوزه، على عكس غيرهم من المسنين العاديين الذين قد يفقدوا الأمل.”
تفترض الدكتورة Lisa Barrett، وهي إحدى زميلات الدكتور Dickerson، أنّ المسنين الخارقين قد يشتركون برغبتهم القوية في تحمل الإزعاج الذي قد يرافق إتقان مهارةٍ جديدة، كتعلم العزف على آلة موسيقية أو تحدّث لغةٍ جديدة. لا ينفكّ المسنون الخارقون عن اتخاذ خطواتٍ جريئة خارج شطآن الأمان المعتادة لديهم بهدف اكتساب خبراتٍ جديدة متينة.
ما الّذي يجعل من قدراتك الفيزيائية كتلك للمسنّ الخارق؟
كما يخصّ الإدراك عند المسنين الخارقين، فإن المسنين الخارقين يسجّلون نقاطاً في نشاطهم الفيزيائي تتفوق على نساءٍ أصغر بعشرات السنين، وكذلك في قياسات النشاطات الهوائية – كمية الأكسجين التي تستطيع استنشاقها وتوزيعها إلى نسجك خلال دقيقة، ويعبر عنها بالاستهلاك الأعظمي للأكسجين أو Vo2 Max.
وسطياً، يفقد البشر 10% من قدرتهم على تنفيذ التمارين الهوائية كلما كبروا عقداً بعد الثلاثين من العمر. يقول الدكتور J. Andrew Taylor، وهو مدير مخبر الدراسات القلبية والوعائية التابع لهارفارد : “أظهرت الدراسات أنّ المسنين في الثمانينات من العمر والذين يتدربون بشدّة من 20 إلى 45 دقيقة في اليوم، يحتفظون بقدرة على أداء التمارين الهوائية تساوي قدرة من يصغروهم بثلاثين عاماً.”
يتطلب قياس VO2 max أن يجري المفحوص على جهاز جري له دولاب في مؤسسة طبيه، بينما نراقب علاماته الحيوية بأجهزة المراقبة. ولأن هذه التجهيزات مكلفة للغاية، لا تُجرى هذه الاختبارات إلا للمرضى الذين يعانون من أعراضٍ قلبية وعائية. منذ بضعة سنوات، وضع باحثون من النروج خوارزمية لتقدير VO2 max بناءً على أجوبة الشخص على مجموعة من الأسئلة المتعلقة بعاداتهم الصحية والتمارين. هذا وقد اختبر الباحثون طريقتهم باستجاوب 5000 شخصٍ، طُلب منهم ملء الاستبيان، كما خضعوا لاختبار الجري على الجهاز. وعند المقارنة تبيّن أن قيم VO2 max التقديرية من الاستجواب قريبة جداً من تلك المأخوذة من نتائج اختبار الجري عند 60% من العينة. وتبيّن أن قيم الاستبيان تميل لتكون أقلّ بدرجةٍ ما عند المتطوعين ذوي اللياقة البدنية العالية، بينما تكون أعلى بدرجة ما عند أولئك الأقل لياقةً.
ومنذ تطوير هذا الاستبيان، استخدمته مجموعاتٌ بحثية عديدة لاختبار علاقة VO2 max بالحالة الصحية. عموماً، لوحظ أن كل ازديادٍ في قيمته يقلل من خطورة الأمراض القلبية الوعائية والخرف والموت. ومن الجدير بالذكر، أن الباحثين النروجيين قد استخدموا بياناتهم لبرمجة آلة حاسبة تستطيع تقدير العمر البيولوجي للإنسان بناءً على أجوبته.
في العام 2015، استخدم 4200 مشارك في الدورة ال 14 من الألعاب الوطنية النهائية الحاسبة النروجية لتقدير أعمارهم البيولوجية. رغم أن متوسط الأعمار الزمنية للمشتركين كان 68، لم يتجاوز متوسط أعمارهم البيولوجية 43.
كيف تستطيع أن تصبح مسنّاً خارقاً؟
ما زال العلماء يدرسون هذا السؤال! ما نعرفه بشكلٍ مؤكد، أن التمارين الفيزيائية المنتظمة والنشاط العقلي يقلل من الأخطار الصحية، وأن التمارين الفيزيائية المكثّفة تزيد من القدرة على تنفيذ التمارين الهوائية، وكذلك النشاط العقلي المكثّف يحافظ على مناطق من الدماغ لها دور هام في الذاكرة والمحاكمة.
نلفت انتباهك إلى الاقتراحات التالية التي قد تساعدك لتصبح مسنّاً خارقاً، ولكنها بالتأكيد سترشدك إلى الطريق الأكثر صحيةً:
تحمّس حول التحديات العقلية.:
إذا كنت تستمتع بلعبة الكلمات المتقاطعة، قد ترغب بألعاب الرياضيات أو ما يماثلها. حاول أن تقوم بنفسك بأمر ما كنت تعين من يقوم به عندك سابقاً – مثلاً أن تحسب ضرائب الدخل، أو أن تجمع قطعة من الأثاث غير المركب، أو أن تثبت برامج جديدة على الحاسوب. تطوّع مثلاً في مشروع قد يبدو صعباً عليك قليلاً، كأن تعلم مجموعة من الطلاب الجدد الراغبين بإتقان لغةٍ ما، أو أن تسجل أسماء المصوّتين لانتخابات جديدة. ابحث عن نشاطٍ جديد لتقوم به وقت الراحة لم تكن قادراً على القيام به سابقاً قي حياتك، كأن تنضم لمجموعة مسرح، أو أن تكتب الشعر، أو أن تتعلم اللغة الأصلية لكتابك المترجم المفضل حتى تستطيع قراءة نسخته الأصلية. أو أن تتعلم حتى الاحتراف العزف على الآلة الموسيقية المفضلة لديك.
حسّن من قدرتك على تنفيذ التمارين الرياضية:
تعتمد قيمة VO2 max التي ستحتفظ بها لحياتك على ثلاثة عوامل هي الشدة، والمدة، والتكرار الذي تمارس ضمنه تمارينك الرياضية. فشدة التمارين الرياضية تزيد كلما اقتربت من تحقيق أقصى معدلٍ ممكن لضربات القلب لديك، والتي تستطيع حسابها بطرح عمرك من الرقم 220. إذا كنت مبتدئا فعليك التدرج بمستوى نبضات القلب. حاول أن تتمرن لمدة بين 20 إلى 40 دقيقة يومياً لـ 3 أو 5 أيام في الأسبوع.
كن جاهزاً لتلقي خيبة الأمل:
لا بدّ من الصبر والتحمل والمثابرة لتخطّي التحديات. فقد يتطلب الأمر شهوراً أو سنواتٍ حتى تتمكن من اكتساب خبرة معينة في مجال معين، ولكن الفوائد قد تكون عظيمة لهذه التجربة. مثلاً، قد يبدو برنامج تعديل الصور مستحيل الاستخدام في المرة الأولى، ولكن مع الوقت ستتعلم المهارات اللازمة لاستخدامه حتى تستطيع، في النهاية، إنتاج صورٍ عالية الدقة من صور التقطها بكاميرا الهاتف النقّال. وعلى الرغم من أنك قد تتعب بعد المسير لمسافة قصيرة، إلا أنك بعد شهورٍ قد تتمكن من قطعِ ميلٍ كامل.
لا تسمح لعمرك بإعاقتك:
طالما أنك قادرٌ فيزيائيا على تحمل تحدٍّ ما، لا يجب أن يحدّك عمرك من ذلك. لم تبدأ Mary Robertson Moses بالرسم قبل عمر الـ 78. وقاضية المحكمة العليا Ruth Bader Ginsberg لم تبدأ العمل كمدربة لياقة قبل 68 بعد علاجها من سرطان القولون. اليوم، وفي عمر 84 ما زالت تكمل تمرينها الكامل الذي قد لا يستطيع أغلبنا القيام به بدون موافقة طبيبه.
ابدأ الاختلاط بمجموعة. قد تشعر بأن التحديات أسهل إذا كنت ضمن مجموعة من المبتدأين الآخرين.
Ann McGowan، المسنّة الخارقة.
بدأت الجري في عمر 48 لتتخطّ موت زوجها. وبعد بضعة أشهر من استئصال الثدي استطاعت العودة لتتسابث في 1991 في ألعاب الكبار الوطنية، وهي مسابقة للنساء بالعمر بين 50 أو أكثر الذين أثبتوا قدرتهم على التنافس في المسابقات المحلية. وقد تمكنت من جري 100 يارد، 200 يارد، 400 يارد، ونافست في القفز العالي، القرص، رمي المطرقة، ورمي الرمح. في عمر 92، استطاعت آن أن تكون واحدة من 8 رياضيين الذين تمكنوا من المشاركة في كافة الألعاب الوطنية التي مرت منذ 1987.