يحكي الدّكتور تود هيرست Todd Hurst المختص بأمراض القلب عن تجربة أحد مرضاه، والتي تعرّضت لنوبةٍ قلبيّةٍ منذ ثلاثة أشهر، تسأله فيها عن إمكانيّة تناولها لزيت السّمك.
إنّ المريضة بصّحةٍ جيّدةٍ الآن، ومتطوّعةٌ في مركز إعادة التّأهيل القلبي. كما أنّها تلتزم بأدويتها، ومستويات الكولسترول لديها ممتازة، لكنها تتساءل إن كان هناك أمرٌ آخر بإمكانها فعله.
يتعرّض طبيب القلب للكثير من استفسارات المرضى حول مكمّلات زيت السّمك الغذائيّة، التي يشاع أنّها مفيدةٌ للصّحة، وذلك لرغبتهم في الحفاظ على صحّة القلب.
رغم بساطة السّؤال إلا أنّ الإجابة عنه أصعب مما نتخيّل. فقد أثار هذا السّؤال جدلاً في السّنوات الأخيرة. وأنا كغيري من الأطباء قد لا أصف لمريضٍ ما اعتدت على وصفه منذ عشر سنين مثلاً.
هل مكملات زيت السّمك مفيدةٌ لصّحة القلب؟
بدأت هذه الحكاية عند ملاحظة انخفاض معدّلات الإصابة بأمراض القلب والسّكتة عند العديد من المجتمعات مثل (شعب الإسكيمو الذي يعيش في القارة القطبيّة الشّماليّة) الذين يتناولون حصصاً كبيرةً من الأسماك الدّهنيّة. وذلك بسبب كون هذه الحمية غنيّة بالدّهون عديدة اللاتشبّع, أو أحماض أوميغا-3 الدّهنيّة. مما سبّب ظهور الفرضيّة القائلة بفائدة هذه الدّهون لصحة القلب.
أظهرت دراسةٌ إيطاليّة في نهاية التّسعينات تدعى GISSI أنّ الأشخاص الذين يأخذون الأحماض الدّهنية عديدة اللاتشبّع كأحماض أوميغا-3(زيت السّمك) كمكملات غذائيّة بشكلٍ عشوائيٍّ، قد قلّ خطر وفاتهم أو إصابتهم بالنّوبات القلبيّة أو السّكتة، مقارنةً بالذين لا يأخذون هذه المكمّلات. وهذا شجّع الجمعيّة الأمريكيّة للقلب على وصف مكمّلات زيت السّمك الغذائيّة لمرضى القلب، وهكذا تابع أطباء القلب هذه المنظومة. ولم يمض وقتٌ طويل حتى انتشر زيت السّمك حتى بين الأشخاص الغير مصابين بأمراض القلب.
وبعدها أضحت مكمّلات زيت السّمك معجزةً يتكلّم عنها الجميع. لكن وكغيره من الأشياء، لم يكن زيت السّمك واضح الهويّة كما بدا في البداية. فقد فشلت الدّراسات اللاحقة والمكثّفة لتأكيد فائدة مكمّلات زيت السّمك.
ماذا أظهرت الدّلائل؟
يتميّز الطّب باستناده للدّليل، مما يعني أنّ التّوصيات والعلاجات يتمّ اختبارها بشكلٍ مكثّفٍ من قبل دراسةٍ جيدّة التّصميم قد تمّ إثبات فوائدها الإنتاجيّة.
ويعمل الطّب المستند على الدّلائل بشكلٍ أفضل عندما تشير أغلب هذه الدّلائل لنفس النّتيجة. لكن تتعقّد الأمور عندما تختلف النّتائج، وتبيّن دراسةٌ منفعةً تنفيها دراسةٌ أخرى. لكن بالإجمال، هذه حالةٌ ترتكز فيها الحقيقة على وجهة نظرك. فقد يتفحّص بعضهم الدّليل ويرى منفعةً مؤكّدةً، بينما يرى آخرون العكس.
يتمّ تطبيق أحد الاستراتيجيّات الشّائعة للإجابة عن سؤال قد أظهرت فيه الاختبارات المتعدّدة نتائج مختلفةً، بأن نجمع هذه الاختبارات في دراسةٍ واحدةٍ تدعى ما وراء التّحليل. وتكمن الفكرة أنّه بجمع البيانات قد نقدر على تحديد الجواب الصّحيح.
والمذهل في الأمر وجود دراستين من “ما وراء التّحليل” متعلّقتين بمكمّلات زيت السّمك في السّنة الفائتة. حيث قد أظهرت دراسةٌ فائدةً بسيطةً، بينما لم تجد دراسةٌ أخرى أيّة فائدةٍ تذكر.
هل يجب أن آخذ زيت السّمك؟
هذه هي النّصائح التي أعطيها لمرضاي فيما يتعلّق بمكمّلات زيت السّمك الغذائيّة:
- إن كان لمكمّلات زيت السّمك فوائد، فهي على الأغلب بسيطة.
- من الأفضل تناول الأسماك الدّهنيّة (كالسّردين والرّنجة وسمك البكور والسّلمون وغيرها) للحصول على أحماض أوميغا-3 الدّهنيّة. وتنصح جمعيّة القلب الأمريكيّة بتناول الأسماك الدّهنيّة مرّتين على الأقل أسبوعيّاً.
- في حال قرّرت أخذ مكمّلات زيت السّمك الغذائيّة، فعليك باختيار الأصناف ذات النّوعيّة الممتازة، والتي تصنّعها شركاتٌ جيّدة السّمعة.
الخلاصة
يقول الدّكتور هيرست أنّه لا يصف مكمّلات زيت السّمك أو حتى يتناولها. فهو لا يثق بإمكانيّة وضع فوائد الطّعام الجمّة بحبّة دواء. وهو مقتنعٌ أنّ غيره سيتفحّص البيانات ويصل لاستنتاج مغاير.