دراسة جديدة نشرت حديثاً تحقق في التسلسل الزمني للتجارب المحاكية لتجربة الموت.
في وقت من الأوقات وعندما يكون الشخص على وشك مفارقة الحياة، يمكن أن تحدث له مجموعة من التجارب النفسية الحية وتجارب ما وراء العقل الواعي. وقد تم الإبلاغ عن هذه التجارب تحت تسمية تجارب القرب من الموت لعدة قرون.
وتشمل التجربة الكلاسيكية للقرب من الموت رؤية أضواء مشرقة، وشعور عارم بالسلام، وتجارب الخروج من الجسم، واستعراض الحياة كشريط مصور، وغياب الخوف من أي شيء حتى الموت ذاته، وتصور التواجد في نفق طويل. إلخ. وتعتبر تجارب الاقتراب من الموت شائعة بشكل مفاجئ، مما يؤثر على ما يقدر بنحو 4 في المئة من البشر، وكذلك ما يصل إلى 18 في المئة من الناجين من السكتة القلبية.
تاريخياً، كانت تلك التجارب مرتبطة بالحياة ما بعد الموت وتستخدم كدليل على وجود الروح، ولكن، تماماً ومثل أي ظاهرة أخرى، قد تم ورود ذكرها بشكل متكرر، كان العلماء حريصون على الوصول إلى الأساس البيولوجي له، ولعله ليس من المستغرب أنه لم يكن هناك الكثير من البحوث اتي تجري في هذا المجال لكونه من الصعب دراسته في المختبر.
مؤخراً، شارلوت مارشال، من جامعة لييج ومستشفى جامعة لييج كليهما في بلجيكا، أعدت فريقاً للبحث والحصول على فهم أعمق لتجربة الاقتراب من الموت. حيث أنهم أرادوا اكتشاف ما إذا كان الناس قد شهدوا هذه الظاهرة على مستوى واحد أو بنفس الترتيب. هل الاقتراب من الموت هو نفسه بالنسبة للجميع؟
هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها التحقيق بشكل منظم بتجارب الاقتراب من الموت وبطريقة علمية، وفقاً لمارشال، تقول: “على حد علمنا، لم تجرى أي دراسة بشكل رسمي ومنظم وما إذا كانت خصائص هذه التجربة تتبع ترتيباً أو توزيعاً ثابتاً”.
وتوضح مارشال أن الهدف من الدراسة “كان التحقيق في توزيع تردد هذه الحالات، على الصعيد العالمي وحسب مواقف الحالات وقصصها، فضلاً عن التسلسل الزمني الأكثر تواتراً والتي تم الإبلاغ عنها من مختلف الحالات”.
وقد نشرت النتائج مؤخراً في مجلة فرونتيرز Frontiers في علم الأعصاب البشري.
ما هي ظاهرة الاقتراب من الموت؟
للحصول على صورة دقيقة للأحداث التي تجري خلال تجربة الاقتراب من الموت، قام الباحثون بتحليل 154 كتاباً عن هذه الظاهرة، وقاموا بتجميع أنواع الأحداث، ومدى تكرارها، وفي أي ترتيب.
وبعد التحليل، وجد فريق البحث أن كل تجربة من التجارب الموثقة عن هذه الظاهرة الفريدة من نوعها، تنطوي على متوسط أربع ظواهر مختلفة، وكانت الأحداث الأكثر شيوعاً:
الشعور بالهدوء والسلام العارم (اختبره 80 في المئة من المشاركين)
مشاهدة أضواء ساطعة وبراقة (اختبره 69 في المئة من المشاركين)
مواجهة أشخاص أو “أرواح” (اختبره 64 في المئة من المشاركين)
وفي الوقت نفسه، كانت أقل التجارب شيوعاً هي مشاهدة أفكار أو صور سريعة (شهدها 5 في المئة من المشاركين)، واختبار رؤى ما قبل معرفية، أو رؤية أحداث في المستقبل (شهدها 4 في المئة من المشاركين).
حقيقة أم خيال؟
خلال استعراض متعمق لفهمنا الحالي لهذا النوع من التجارب الغريبة، وفيما يتعلق بترتيب الأحداث، كان خمسة وثلاثون في المئة من الأشخاص الذين اختبروا القرب من الموت قد صرحوا في البداية بأنهم خضعوا لتجربة الخروج من للجسد، وكان هذا الحدث الأكثر شيوعاً، وقد اختبره ستة وثلاثون في المئة من المشاركين، والحدث الأخير الذي اختبروه كان العودة للجسد.
“وهذا يشير إلى أن تجارب الاقتراب من الموت وكما يبدو، سببها بشكل منتظم شعور انفصال عن الجسم المادي وتنتهي عند عودته إلى الجسد الأصلي”. تعلق شارلوت مارشال.
ووفقاً للتحليل، كان الترتيب الأكثر شيوعاً لأحداث الاقتراب من الموت عند اثنين وعشرين في المئة من المشاركين كانت كالتالي:
- الخروج من الجسد
- الدخول في تجربة النفق
- رؤية الأضواء الساطعة والبراقة
- الشعور بالسلام المطلق
غير أنه لا يوجد عموماً تسلسلاً موحداً وشاملاً للأحداث، فإن التتابع أعلاه حدث في أقل من واحدة من أصل أربع تجارب. لهذا السبب، وعلى الرغم من وجود القواسم المشتركة، كانت كل تجربة من تجارب الاقتراب من الموت فريدة بحد ذاتها.
وكما أوضحت مارشال: “تشير نتائجنا إلى أن تجارب الاقتراب من الموت قد لا تحتوي على جميع العناصر نفسها، ولا يبدو أن العناصر تظهر بترتيب ثابت محدد”.
“وفي حين أن تجربة الاقتراب من الموت قد يكون لها طابع عالمي بحيث أنها قد تظهر ميزات مشتركة كافية لإرجاعها للانتماء لنفس الظاهرة، لاحظنا مع ذلك التباين الزمني في توزيع الأحداث والأشياء المبلغ عنها”.
مستقبل بحوث الاقتراب من الموت.
ومع وجود ظاهرة لا تدرس كثيراً كتجربة الاقتراب من الموت، لا تزال هناك أسئلة كثيرة لم يكن بالإمكان الإجابة عنها. بالنسبة لمستقبل البحث، تأمل مارشال استكشاف تأثير التوقعات والخلفيات الثقافية والحالة الذهنية والعديد العديد من العوامل في تجربة الاقتراب من الموت بالنسبة للفرد الواحد. بالإضافة إلى ذلك، قالت أنها تود أن تكشف ببطء عن الآليات العصبية الفيزيولوجية وراء تجارب الاقتراب من الموت. ومع التقدم المستمر لعلم الأعصاب، طرحت العديد من النظريات العضوية المختلفة لتجارب الاقتراب من الموت، بما في ذلك:
- تداخل حركة العين العشوائية والمسماة بـ REM (إحدى المراحل المتسلسلة للنوم)، والتي في أثنائها تظهر بعض مظاهر مرحلة REM والتي تنطوي على الدخول في أعمق الأحلام وأعماق العقل اللاوعي، خلال اليقظة.
- العوامل الدوائية، والتي ربما تتضمن مستقبلات إن – ميثيل – دي – الإسبارتات.
- تغير مستويات الغازات في الدم، مثل المستويات المرتفعة لثاني أكسيد الكربون
- مستوى النشاط في الفص الصدغي من الدماغ، وهي تلك المنطقة من الدماغ يعتقد بأن لها دور في التجارب الروحية والصوفية والماورائية
ومع ذلك، فإن اختبار أي نظرية من تلك النظريات في مثل هذه التجارب التي هي من النوع الصعب تثبيت نتائجه هو تحدي حقيقي بكل ما للكلمة من معنى.
الاكتشافات الجديدة في هذا المجال من البحوث من المرجح أن تكون قليلة بعيدة الحدوث، لكن كل المعارف الجديدة المكتسبة هي أمر مضمون الروعة والجمال.
فيما يلي مقطع من تلخيص مجلة فرونتيرز:
معلومات أساسية: بعد اختبار تجربة الاقتراب من الموت، عادة ما يقدم الخبراء تقريراً عن روايات غنية ومفصلة للغاية، ومن الناحية النظرية، يمكن وصف تجربة الاقتراب من الموت بأنها مجموعة من التجارب المميزة
الأهداف: كان الهدف من الدراسة هو التحقق من توزيع الترددات والتكرارات لهذه التجارب، بالإضافة إلى التسلسل الزمني الفعلي الأكثر تكراراً من التجارب.
الأساليب: جمعنا 154 سرداً مصاغاً بشكل حر (مثال: مجموع نتيجة معيار غريسون للـ NDE –تجربة محاكاة الموت-) وقد أجري التحليل على جميع الروايات من أجل استنتاج التسلسل الزمني وتوزيع التكرارات.
النتائج: أبرزت التحليلات لدينا التسلسل الأكثر تكراراً في الكثير من الأحيان من متتالية تجارب داخل تجربة الاقتراب من الموت وهي: الخروج من الجسد، النفق، الضوء الساطع، الشعور بالسلام.