يتفهَّم الكثير من الآباء مدى الإحباط الناتج عن تربية طفلٍ يرفض تناول أي شيء. قد تبدأ المشكلة تدريجياً برفض بعض الأطعمة، كنوعٍ معينٍ من لحم الدجاج أو البروكلي، ومن ثمَّ تتفاجأ الأم بأنها تستخدم نفس المكونات الثلاث لتحضير كافة الوجبات، وتبدأ بالتساؤل عما إذا بإمكان طفلها الصغير العيش فقط على المعكرونة والكعك وشرائح التفاح.
تفادياً للاعتياد على الشجار مع الطفل أثناء الوجبات، أو تقديم نفس الوجبة على الفطور والغذاء والعشاء، يجب على الوالدين أن يضعا في الحسبان أن رفض الطعام هو سلوكٌ طفوليٌّ شائع، ولا ينتج، في معظم الحالات، عن أيِّ سببٍ خطير، ولكن قد ينتج عن أسبابٍ عادية جداً مثل:
- التفضيلات الشخصية ( اعتراف: نحن أيضاً لا نستلذُّ دائماً بأكل القرنبيط – على الرَّغم من فوائده التي لا يمكن إنكارها )
- عدم الاحساس بالجوع
- النفور من تجربة طعامٍ جديد
- الأمراض الشائعة في مرحلة الطفولة ( مثل التهاب الحلق أو وجع البطن )
- يوم راحة ( كلنا بحاجة لهذه الأيام )
ولكن، يمكن أحياناً أن يدل هذا الرَّفض على وجود مشاكل أكثر خطورة، وحتى في حال عدم وجودها، يجب عدم السماح لهذه المرحلة أن تتحوَّل إلى عادة تدوم طيلة حياته، لذا من المهم أن يفهم الوالدين سبب رفض طفلهم الصغير لتناول الطعام، بالإضافة لتشجيعه على خلق علاقة صحية مع الغذاء.
هل الطفل صعب الإرضاء في الأكل؟
عندما يرفض الطفل تناول الطعام، فإنَّ أول ما يفعله الكثير من الآباء هو وصف طفلهم بأنَّه صعب الإرضاء، ولكن من المهم أن نُدرك المعنى الحقيقي لهذه الصفة، وأنها ليست السبب الوحيد لامتناع الأطفال عن تناول الطعام.
الشخص الصَّعب الإرضاء هو في الإجمال من يرفض تناول أنواع معينة من الأطعمة، أو يرغب فقط بتناول نفس الأطعمة مراراً وتكراراً.
ففي الوقت الذي يستمتع فيه باقي أفراد الأسرة بمجموعة متنوعة من الأطعمة في الوجبة، قد يرغب الشخص الصعب الإرضاء بالاكتفاء بتناول قطع الدجاج أو زبدة الفول السوداني وسندويتشات المربى، وفي كثيرٍ من الحالات، يرتبط رفضه إلى حدٍّ كبير بتفضيلاته الشخصية.
بالإضافة إلى تفضيلاته الغذائية المحدودة، يمكن بالمقابل أن يلاحظ الوالدان مشاكل أخرى، مثل شعور طفلهما برغبة في التقيُّؤ أو صعوبة البلع أو المضغ عند تناول بعض الأطعمة، وبالرغم من عدم شيوع تلك الأعراض، إلا أنها قد تكون بمثابة إشارة إلى أنَّ مشكلته ليست مجرد عناد، بل قد توجد مشكلة كامنة، سنتطرق إليها لاحقاً.
مهما كانت المشكلة، يجب ألا يحاول الأهل إجبار الطفل على تناول الطعام، ولكن الأم ليست مضطرة أيضاً لأن تكتفي بتحضير نفس قائمة الوجبات المحدودة، بل من الأفضل أن تُقدم أحد أصناف الأطعمة الصحية المفضلة له في كلِّ وجبة مع إدخال أطعمة أخرى.
يمكنك السماح له بتناول ( أو وضع ) ما يحلو له على الطبق. قد يمتنع عن تناول الأرز والبروكلي، غير أنه قد يُقبِل بسرورٍ على تناول لحم الدجاج، ويكمن الحل في تقديم مجموعة متنوعة من الأطعمة، والحفاظ على الإيجابية في التعامل معه.
إليك بعض الأفكار التي قد تشجع طفلك على الاستمتاع بتناول وجبات الطعام – أثناء تذوقه لمجموعة متنوعة من الأطعمة.
الحدُّ من الأمور التي تُلهيه عن الأكل
إنَّ السماح باستخدام الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية ومشاهدة التلفزيون أثناء أوقات الوجبات، يمكن أن يُفقِد الطفل كل اهتمامه بالأكل. فبالرغم من أنَّ هذه الوسائل قد تُبقيه هادئاً ومشغولاً، لكن من الأفضل الحد من استخدام الأجهزة الإلكترونية والمشتتات الأخرى أثناء تناول الطعام. يمكنك البدء بنفسك من خلال إبعاد هاتفك الخلوي أيضاً !
مع التركيز على الطعام والمحادثة وتوثيق الرابطة الأسرية، قد يَسهُل على طفلك تناول الطعام. يجب التأكد أيضاً من أنَّ المكان الذي تتناولون فيه الطعام يبعث على الاسترخاء، وأنَّ كل شخص يحظى بمساحته الخاصة للاستمتاع بوجبته، ويمكن استخدام الوسائل التشجيعية، أو انتقاء الكرسي المناسبة لطفلك ليكون مرتاحاً أثناء جلوسه على المائدة.
تقديم حصص مناسبة من الطعام
قد لا تكمن المشكلة في رفض طفلك للطعام، بل في رفضه إنهاء صحنه بالكامل. إنَّ الأطفال لا يحتاجون لتناول نفس الكمية الكبيرة التي يحتاجها البالغون، لذلك إذا وضعت كمية طعام كبيرة في صحنه، فقد لا ينهيها بالكامل، ليس لأنه صعب المراس، بل بسبب شعوره بالشبع. جربي وضع كمية أصغر أمام طفلك، فبإمكانه أن يطلب المزيد إذا لم يشعر بالشبع.
من الممكن أيضاً ألا يكون الطفل جائعاً بالأصل، فالأطفال، وخاصة الصغار منهم، يمكن أن تتقلَّب شهيتهم بدرجة كبيرة على مدى يوم أو حتى أيام أو أسابيع، فليس من الضروري أن يأكل الطفل على كلِّ وجبة.
المباعدة بين مواعيد الوجبات وموعد النوم
لعلَّه من الصَّعب إقناع الطفل بتناول الطعام عند شعوره بالنعاس أو الأرق، لذا يجب عدم تحديد مواعيد الوجبات بحيث تكون قريبة جداً من موعد النوم، أو مباشرة قبل القيام بنشاطٍ ما أو بعده بقليل، حتى لو اضطررت جرَّاء ذلك لإعداد عدَّة وجباتٍ تتناسب مع مواعيد جميع أفراد الأسرة.
تجنُّب التوتر الذي يُرافق موعد الوجبة
لا جدوى من إجبار الطفل أو الصُّراخ أو الضَّغط عليه ليتناول الطعام، فبمجرد أن ينزعج أو يبدأ بالبكاء، ستضيع أي فرصة لتناوله الوجبة، فبالرغم من ضرورة تشجيعه على الأكل، لكن لا ينبغي الضغط عليه كثيراً.
إشراك الطفل في تحضير الطعام
بالرغم من أنَّ العديد من الأطفال الصغار يحبُّون تناول نفس الأطعمة يومياً، إلا أنَّ التنويع يمكن أن يُضفي المُتعة إلى الوجبة. إذا وجدت نفسك تقدمين نوع الطعام نفسه مراراً وتكراراً – وحتى لو كان طفلك هو من طلب هذا الطعام – فمن الجيد أن تبدأي بإدخال بعض التغييرات.
اسمحي لطفلك أن يساعدك في اختيار أطعمة جديدة لتجربتها، وشجعيه على المساعدة في التخطيط والتسوق وإعداد الطعام، لأن مشاركته في إعداد الوجبة، يجعله أكثر حماساً لتناولها.
التقليل من الأطعمة والمشروبات بين الوجبات
يرفض بعض الأطفال تناول الطعام بسبب تناولهم للكثير من الوجبات الخفيفة أو المشروبات خلال اليوم. ولأنَّ حجم معدتهم صغير، فهم يشعرون بالشبع بسرعة، فمن المرجح ألا يأكل الطفل في حال عدم شعوره بالجوع عند حلول موعد الوجبات.
بما أنَّ الوالدين لا يريدون حرمان طفلهم من الطعام في حالة الجوع الحقيقي، فيجب تقليل كمية الوجبات الخفيفة التي يتناولها – فمثلاً وجود طبق من المأكولات الخفيفة على الطاولة، يمكن أن يدفع الطفل إلى تناول الطعام دون وعي، مما يشعره بالتخمة مع حلول موعد العشاء.
فهم العادات الغذائية للطفل
اعتماداً على عاداته الغذائية، قد يحتاج طفلك إلى طعامٍ أكثر أو أقل في أوقاتٍ مختلفة من اليوم. لذا، في حين أنه قد يرفض تناول طعام العشاء، إلا أنه قد يأكل بكثرة على الإفطار أو الغداء.