غالباً ما يشتكي المصابون بالأرق من حرمانهم من النّوم رغم سماعنا لشخيرهم. وقد أكّدت الأبحاث الجديدة صحّة قولهم موضّحةً سبب هذه الظّاهرة، وتمّ نشر نتائجها في صحيفة Sleep) النّوم).
يقول أحد الأشخاص: ” تعاني والدتي وجدّتي من الأرق وزوجي كذلك، وقد سبّب لي ذلك نوعاً من خوف الإصابة به. أتذكّر بعض المرّات التي كانت بها زوجي مغمض العينين ويتنفّس بعمقٍ وانتظامٍ، وأحياناً يترافق نومه بالشّخير، لكنّي أفاجأ بقوله أنّه لم يغمض له جفن. ربّما كان هذا من نسج مخيّلته أو أنّ مفهومي للأرق مغلوط.”
من الواضح أنّ النّوم دون معرفتنا بذلك أمرٌ نادر الحدوث عند المصابين بالأرق. وقد شخّص العلماء هذه الظّاهرة رغم عدم إلمامهم الكافي بها وأطلقوا عليها اسم “سوء إدراك النّوم sleep misperception”.
وكما غاصت الأبحاث الجديدة في عمق لغز سوء إدراك النّوم ووجدوا تفسيراً له.
يقول رئيس الدّراسة البروفيسور دانيال كي Daniel Kay, أستاذ علم النّفس في جامعة بريغام يونغ Brigham Young في بروفو يو تي UT, بأنّ السّر وراء عدم توصّل العلماء لمعرفة سبب هذه الظّاهرة هو اعتبارهم النّوم تجربةً مطلقةً, على اعتبار أنّ النّوم هو عكس الاستيقاظ, وبمعنى آخر: عندما ننام نفقد الوعي.
لكن لا يعتقد البروفيسور كي بدقّة هذا التّفسير، فهو يؤكّد على إمكانيّة الوعي الشّعوري عندما يكون الدّماغ في طور النّوم. لكن يبقى السّؤال هنا: ما الدّور الذي يلعبه الوعي الشّعوري في تعريفنا للنّوم؟
أهميّة مناطق الوعي في الدّماغ
قام فريقٌ يرأسه البروفيسور كي بتحليل أنماط وتجارب 32 شخصاً مصاباً بالأرق، فتبيّن أنّ 30 منهم لم يختبروا هذه الحالة.
وكما قام العلماء بفحص أنماط الموجات الدّماغية للمتطوّعين بالتّجربة باستخدام تخطيط النّوم المشتمل polysomnography وهي طريقةٌ تقليديّةٌ لدراسة النّوم. وحالما توصّل الباحثون لاكتشافهم بناءً على الموجات الدّماغيّة للمتطوّعين النّائمين، حقنوا أذرعهم بقائف (خطّاط) مشع.
وقد مكّنهم هذا القائف من فحص عصبونات الدّماغ النّشطة في أماكن محدّدةٍ من الدّماغ خلال النّوم.
كما قاموا بمسحٍ لأدمغة المتطوّعين للكشف عن نشاط الدّماغ. وفي الصّباح سئلوا عن تجربتهم في النوم.
وقد اكتشفت الدّراسة زيادةً في نشاط مناطق الدّماغ المرتبطة بالوعي الشّعوري خلال طور عدم الحلم في النّوم (عدم حركة العين السّريعة خلال النّوم) عند المصابين بالأرق ممن قالوا أنّهم كانوا مستيقظين رغم إثبات تخطيط النّوم المشتمل للعكس.
بينما وجد عند الذين ينامون جيّداً -بتأكيدٍ من تخطيط النّوم المشتمل-زيادةً في نشاط الدّماغ في نفس المناطق عند غيرهم.
توضيح سوء إدراك النّوم
يقول البروفيسور كي أنّ كلاً من المصابين بالأرق والطّبيعيين يمرّون بعمليّة التّثبيط فور نومهم.
ويوضّح فريق الباحثين ذلك بأنّه من الطّبيعي للدّماغ أن يرسل عصبوناتٍ مثبّطةٍ أثناء النّوم تجعل الشّخص أقلّ إدراكاً شعوريّاً حتى يصل لمرحلة النّوم العميق.
لكن تبيّن هذه الاكتشافات أنّ المصابين بالأرق الذين لا يشعرون بنومهم حتى، تختبر أدمغتهم نشاطاً مثبّطاً في المناطق المرتبطة بالإدراك الحسّي.
وقد يكون النّشاط التّثبيطي لمناطق الدّماغ المرتبط بالإدراك سبباً لشعور الذين ينامون بشكلٍ طبيعيٍّ بأنّ النّوم يدركهم، قبل إثبات المقاييس العلميّة لذلك.
كما أنّ تعطيل عمليّة التّثبيط قد يؤدّي إلى سوء إدراك النّوم، ويأمل الباحثون أن تساعدهم هذه الاكتشافات على وضع استراتيجيّات جديدةٍ لعلاج الأرق.
قد تتعطّل العمليّات التي عند المصابين بالأرق نقص الوعي الشّعوري خلال النّوم؛ وربما قد يساعد التّأمل العميق على علاج هذه العمليّات.
قد يساعد ذلك عمليّات التّثبيط الإدراكي التي تمنع المرضى من الشّعور أنهم قد ناموا.