يعود اعتماد المأكولات النيئة في النظام الغذائي عند الإنسان إلى أواخر القرن الثامن عشر، حين اكتشف أحد الأطباء أنه يمكن له معالجة نفسه من اليرقان عبر تناول التفاح النيء، ومن هنا بدأت سلسلة التجارب، لاختبار تأثير المأكولات النيئة على صحة الإنسان.
حيث يمكن لعملية طهي الطعام تحسين مذاقه، وهل تغير من المحتوى الغذائي الذي تحويه؟!.
يعتقد البعض أن تناول الأطعمة النيئة بشكل أساسي هو الطريق الأمثل لصحة أفضل ولهذه الطريقة العديد من الفوائد، ومع ذلك فإن بعض الأطعمة المطبوخة لها فوائد غذائية قيّمة وواضحة.
ومن المثير للاهتمام، أن بعض الفيتامينات يتم فقدانها عند طهي الطعام، بينما يصبح البعض الآخر من العناصر الغذائية متاحاً لجسمك لاستخدامه.
سنتعرف في مقالتنا هذه على فوائد كل من الأطعمة النيئة والمطبوخة منها.
ما هو النظام الغذائي النيء أو الخام؟
المقصود بالنظام الغذائي النيء، بأنه النظام الذي يعتمد على الأطعمة النيئة بشكل أساسي.
ونقصد بالأطعمة النيئة: هي الأطعمة التي لم يتم طهيها أو معالجتها بالماء أو الحرارة أو الزيت.
وعلى الرغم من وجود مستويات متفاوتة من الوجبات الغذائية النيئة، إلا أنّ كل منها يشمل تناول الأطعمة غير المعالَجة وغير المطهية في الغالب، وبشكل عام يتكون نظام الحميات الغذائية الخام من 70٪ من الأطعمة النيئة على الأقل.
وغالباً ما يشمل نظام الحميات الغذائية هذه، كل من الأطعمة المخمّرة والحبوب المزروعة والمكسرات والبذور، بالإضافة إلى الفواكه والخضروات النيئة.
يتناول العديد من خبراء التغذية النيء نظاماً غذائياً نباتياً، مما يؤدي إلى التخلص من المنتجات الحيوانية وتناول الأطعمة النباتية النيئة فقط، ومع ذلك فإن عدداً صغيراً يستهلك أيضاً منتجات الألبان الخام والأسماك وحتى اللحوم النيئة.
ويعتقد بعض الخبراء أن الأطعمة النيئة مغذية أكثر من الأطعمة المطبوخة لأن وجود الإنزيمات، إلى جانب بعض العناصر الغذائية المهمة (المُغذيّات)، يتم فقدانها في عملية الطهي، ويعتقد البعض أن الطعام المطهي هو في الواقع طعام سامّ ومضر للصحة.
في حين وجود بعض الفوائد الواضحة لتناول الفواكه والخضروات النيئة، لكن يوجد بعض المشاكل المحتملة، فيما يتعلّق بنظام الحميات الغذائية الذي يعتمد على الأطعمة النيئة.
ومن الصعب جداً على الأشخاص، اتّباع نظام غذائي صارم مكون فقط من الطعام النيء، وعدد الأشخاص الذين يلتزمون بنظام غذائي يعتمد على الطعام النيء بالكامل على المدى الطويل صغير جداً مقارنةً بباقي الحميات.
بالإضافة إلى أنه قد تحتوي بعض الأطعمة على بكتيريا وكائنات دقيقة خطيرة لا يتم القضاء عليها إلّا عن طريق الطهي. فتناول نظام غذائي يقوم على الطعام النيء بالكامل، يمكن أن يتضمن السمك واللحوم، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض يمكن أن تنقلها هذه الأطعمة.
الخلاصة:
تتضمن الوجبات الغذائية النيئة تناول الفواكه والخضروات الغير مطهية بشكل أساسي، وتناول الأطعمة النيئة له بعض الفوائد، ولكن هناك أيضاً بعض المشاكل المحتملة.
هل يمكن للطهي أن يدمر الإنزيمات في الغذاء!
عندما تتناول الطعام، فإن الإنزيمات الهضمية في جسمك تساعد على تقسيمها إلى جزيئات يمكن امتصاصها. كما يحتوي الطعام الذي تتناوله أيضاً على إنزيمات تساعد على الهضم.
إن هذه الإنزيمات حساسة للحرارة، ويتوقف نشاطها بسهولة عندما تتعرض لدرجات حرارة عالية، حيث يتم وقف نشاط جميع الإنزيمات تقريباً عند درجات حرارة تزيد عن 117 درجة فهرنهايت (47 درجة مئوية).
هذه هي واحدة من أكثر الحجج المنطقية التي تؤيد تناول الوجبات الغذائية الغير مطهية، فعندما يتم تغيير انزيمات الطعام أثناء عملية الطهي، يلزم هذا الأمر وجود المزيد من الإنزيمات من الجسم لهضمها.
يعتقد أنصار تناول الوجبات الغذائية النيئة، أن هذا الأمر يضغط على الجسم ويمكن أن يؤدي إلى نقص إفراز الانزيمات ومع ذلك، لا توجد دراسات علمية تدعم هذا الاعتقاد.
ويزعم بعض العلماء بأن الغرض الرئيسي من الإنزيمات الغذائية هو تغذية نمو النبات، وليس مساعدة البشر على هضمها.
بالإضافة إلى أن الجسم البشري يُنتج الإنزيمات اللازمة لهضم الطعام، ويقوم الجسم بامتصاص وإعادة إفراز بعض الإنزيمات، مما يجعل من غير المحتمل أن يؤدي هضم الطعام إلى نقص في هذه الانزيمات.
لم يثبت العلم حتى الآن، وجود أية آثار صحية ضارة لتناول الأطعمة المطهية مع الانزيمات المتفككة.
الخلاصة:
الأطعمة المطبوخة تُعطّل وتفكك الانزيمات الموجودة فيها ومع ذلك، لا يوجد دليل على أن الإنزيمات الغذائية تساهم في تحسين الصحة.
بعض الفيتامينات القابلة للذوبان في الماء يتم فقدانها في عملية الطهي
الأطعمة النيئة قد تكون غنية أكثر من الأطعمة المطبوخة ببعض العناصر الغذائية.
حيث أن بعض العناصر الغذائية يتم تثبيط عملها بسهولة أو يمكن أن تفقد قيمتها الغذائية أثناء عملية الطهي، على سبيل المثال: الفيتامينات القابلة للذوبان في الماء، مثل فيتامين (G) وفيتامينات (B)، هي معرضة بشكل خاص للفقدان أثناء الطهي.
قد يقلل غلي الخضراوات من محتوى الفيتامينات القابلة للذوبان في الماء بنسبة تصل إلى 50-60 ٪.
كما تضيع بعض المعادن وفيتامين (A) أيضاً أثناء الطهي، وإن كان ذلك بدرجة أقل من غيرها. ولا تتأثر فيتامينات (D) و (E) و (K) القابلة للذوبان في الدهون في الغالب بالطهي.
تؤدي عملية الغليان إلى فقدان أكبر للمواد الغذائية المهمة، بينما تحافظ طرق الطهي الأخرى بفعالية أكبر على محتوى المواد الغذائية.
يعد التبخير والتحميص والقلي من أفضل الطرق لطهي الخضروات عندما يتعلق الأمر بالاحتفاظ بالمواد المغذية.
وفي النهاية يؤثر طول الوقت الذي يتعرض فيه الطعام للحرارة على محتواه من المواد الغذائية، فكلما تم طهي الطعام لمدة اكبر، زاد فقدان المواد الغذائية الموجودة فيها.
الخلاصة:
يتم فقدان بعض العناصر الغذائية، ولاسيّما الفيتامينات القابلة للذوبان في الماء، أثناء عملية الطهي.
الفواكه والخضروات النيئة قد تحتوي على المزيد من العناصر الغذائية مثل فيتامين C وفيتامينB.
قد يكون الطعام المطهي أسهل في المضغ والهضم.
تعتبر عملية المضغ أول خطوة وأهمها في عملية الهضم، حيث أن عملية المضغ تقسم أجزاء كبيرة من الطعام إلى جزيئات صغيرة يمكن هضمها فيما بعد.
فإن الطعام الممضوغ بشكل غير صحيح يمكن أن يشكل للجسم صعوبات أكثر في هضمه، ويمكن أن يؤدي إلى حدوث مشاكل كالانتفاخ وتشكل الغازات. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب مضغ الأطعمة النيئة بشكل صحيح طاقة ومجهود أكثر من الأطعمة المطهية.
تقوم عملية طهي الطعام بتفكيك وتحطيم بعض أليافه وجدرانه الخلوية النباتية، مما يسهل على الجسم هضم وامتصاص العناصر الغذائية الموجودة فيه.
كما يحسّن الطهي عموماً مذاق الطعام ورائحته، مما يجعله أكثر متعة ولذة عند تناوله.
وعلى الرغم من أن عدد المقبلين على تناول الأطعمة النيئة، الذين يستهلكون اللحوم النيئة قليل، لكن يصبح مضغها وهضمها أسهل عندما يتم طهيها.
طهي الحبوب والبقوليات بشكل صحيح لا يحسّن من قابلية هضمها فحسب، بل إنه يقلل أيضاً من عدد المواد المضادة للطعام التي تحتوي عليها. المواد الغذائية المضادة هي مركبات تمنع الجسم من قدرته على امتصاص العناصر الغذائية المهمة في الأطعمة النباتية.
تعد عملية هضم الطعام أمراً مهماً لأن الجسم لا يمكنه الحصول على الفوائد الصحية للطعام، إلا إذا كان قادراً على امتصاص العناصر الغذائية.
إضافةً لذلك فإن بعض الأطعمة المطهية، قد تزود الجسم بمواد غذائية أكثر من نظيراتها النيئة لأنها أسهل في المضغ والهضم.
الخلاصة:
الأطعمة المطهية أسهل في المضغ والهضم مقارنة بالأطعمة النيئة، والهضم السليم ضروري لامتصاص العناصر الغذائية الموجودة في الطعام.
الطهي يزيد من قدرة مضادات الأكسدة لبعض الخضروات
أظهرت الدراسات أن طهي الخضروات يزيد من توفر مضادات الأكسدة مثل البيتا كاروتين واللوتين.
وبيتا كاروتين هو أحد مضادات الأكسدة القوية التي يحولها الجسم إلى فيتامين (A).
وكما أكدت مصادر علمية، أن النظام الغذائي الغني بالبيتا كاروتين يرتبط مع انخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب.
يمتص الجسم أيضاً الليكوبين المضاد للأكسدة بسهولة، عندما نحصل عليه من الأطعمة المطهية بدلاً من الأطعمة النيئة.
حيث أظهرت الدراسات أن وجود الليكوبين في الأطعمة يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بسرطان البروستات لدى الرجال وانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب.
وجدت إحدى الدراسات أن طهي الطماطم قلّص من نسبة فيتامين (C) بنسبة 29٪، بينما زاد محتوى اللايكوبين أكثر من الضعف خلال 30 دقيقة من الطهي، أيضاً زادت القدرة الكلية لمضادات الأكسدة للطماطم بنسبة تزيد على 60 ٪.
كما وجدت دراسة أخرى أن الطهي يزيد من قدرة مضادات الأكسدة ومحتوى المركبات النباتية الموجودة في كل من الجزر والبروكلي والكوسا.
حيث تُعتبر مضادات الأكسدة من العناصر المهمة جداً، لأنها تحمي الجسم من جزيئات ضارة تسمى الجذور الحرة (الراديكاليين الحر). يرتبط النظام الغذائي الغني بمضادات الأكسدة بانخفاض خطر الإصابة بالأمراض المزمنة.
الخلاصة:
إن طهي الخضروات قد يجعل بعض مضادات الأكسدة تتوفر في جسمك أكثر مما هي عليه في الأطعمة النيئة.
تقتل عملية الطهي البكتيريا الضارة والكائنات الدقيقة
ينصح بتناول بعض الأطعمة المطهية، لأن بعض الأطعمة النيئة قد تحتوي على بكتيريا ضارة. حيث أكدت مصادر علمية أن طهي الطعام يقتل البكتيريا الضارة، والتي قد تسبب بعض الأمراض التي تنقلها الأغذية.
ومع ذلك فإنه يمكن تناول الفواكه والخضروات لأنها آمنة بشكل عام للاستهلاك دون طهي، طالما لم تلويثها.
يعد كل من السبانخ والخس والطماطم والكرنب النيئة، بعض الفواكه والخضروات التي تحتوي في كثير من الأحيان على البكتيريا.
بالإضافة إلى أنه من الممكن أن تحتوي اللحوم النيئة والأسماك والبيض ومنتجات الألبان على بكتيريا ضارة، يمكن أن تسبب بعض الأمراض.
تعد الإشريكية القولونية E.coli (وهي من أهم أنواع البكتيريا التي تعيش في أمعاء الثدييات) والسالمونيلا والليستيريا والكامبيلوباكتر من أكثر أنواع البكتيريا شيوعاً، والتي قد توجد في الأطعمة النيئة.
لا يمكن لمعظم أنواع البكتيريا البقاء في درجات حرارة تزيد عن 140 درجة فهرنهايت (60 درجة مئوية)، وهذا يعني أن الطهي يقتل البكتيريا بشكل فعّال، ويقلل من خطر الإصابة بالأمراض التي تنقلها الأطعمة النيئة.
تعتبر منتجات الحليب التجارية منتجات مبسترة، وهذا يعني أنها تعرضت للحرارة اللازمة لقتل أي بكتيريا ضارة قد تحتوي عليها.
لا ينصح باستهلاك اللحوم النيئة أو غير المطهية جيداً أو البيض أو منتجات الألبان، وفي حال قمت باختيار تناول هذه الأطعمة نيئة، فتأكد من أنها طازجة والأفضل شرائها من مصدر موثوق.
الخلاصة:
إن طهي الطعام يقتل البكتيريا المسببة للأمراض والتي تنقلها الأغذية، هذا ينطبق بشكل خاص على اللحوم والبيض ومنتجات الألبان.
قد يعتمد الأمر على نوع الطعام وذلك لاختيار أكلها نيئة أم مطبوخة.
لا يمكن تبرير أي نظام غذائي يعتمد على الأطعمة النيئة تماماً أو مطهي بالكامل من خلال الدراسات أو العلم.
وذلك لأن كل من الفواكه والخضروات إن كانت نيئة أو مطهية لها فوائد صحية مختلفة، بما في فوائدها المختلفة في خفض خطر الإصابة بأمراض مزمنة.
وفي الحقيقة أنه إذا كان يجب تناول الطعام نيئاً أو مطهي، فقد يعتمد ذلك على نوع الطعام. وهنا بعض الأمثلة على الأطعمة التي تكون صحية أكثر إما نيئة أو مطهية:
الأطعمة الصحية التي ينصح بتناولها عندما تكون نيئة:
- البروكلي: يحتوي البروكلي النيء على ثلاثة أضعاف كمية السلفورافان، وهو مركب كيماوي طبيعي مضاد للتأكسد، ومنبه قوي للإنزيمات الطاردة للسموم من الجسم، والتي تخفف خطر الإصابة بالسرطان، مقارنة بالبروكلي المطهي.
- الملفوف: طهي الملفوف يدمّر إنزيم ميروسيناز، الذي يلعب دوراً في الوقاية من السرطان، وإذا اخترت طهي الملفوف، فقم بذلك لفترات قصيرة.
- البصل: يعد البصل النيء عاملاً مضاداً لتكدس الصفائح الدموية، والذي بدوره يساهم في الوقاية من أمراض القلب، ويقلل طهي البصل من هذا التأثير المفيد.
- الثوم: مركبات الكبريت الموجودة في الثوم النيء، لها خصائص مضادة للسرطان، وطهي الثوم يدمر هذه المركبات الكبريتية.
الأطعمة الصحية التي ينصح بتناولها عندما تكون مطهية:
- الهليون: طهي الهليون يُفكّك جدرانه الخلوية الليفية، مما يجعل حمض الفوليك والفيتامينات (A) و (C) و (E) متاحاً للجسم لامتصاصه.
- الفطر: يساعد طهي الفطر على تفكيك مادة الأجاريتين، وهي مادة مسرطنة (بصورة غير مؤكدة) توجد في فطر عش الغراب، ويساعد الطهي أيضاً على إطلاق الإرغوثيون، وهو من مضادات الأكسدة القوية الموجودة في الفطر.
- السبانخ: عند طهي السبانخ تكون بعض المغذيات مثل الحديد والمغنيزيوم والكالسيوم أكثر قابلية للامتصاص.
- الطماطم: الطهي يزيد بشكل كبير من الليكوبين المضاد للأكسدة في الطماطم.
- الجزر: يحتوي الجزر المطبوخ على بيتا كاروتين أكثر من الجزر النيء.
- البطاطا: يعتبر النشاء الموجود في البطاطس غير قابل للهضم إلا في حال طهيه بشكل جيد.
- البقوليات: تحتوي البقوليات النيئة أو غير المطهية جيداً على سموم خطيرة تسمى ليكتين (وهو بروتين معقد يمكن أن يقلل من قدرة الجسم على امتصاص العناصر الغذائية)، ويتم التخلص من الليكتين بالنقع والطهي المناسبين.
- اللحوم والأسماك والدواجن: قد تحتوي اللحوم النيئة والأسماك والدواجن على بكتيريا يمكن أن تسبب الأمراض التي تنقلها الأغذية، وطبخ هذه الأطعمة يقتل البكتيريا الضارة.
الخلاصة:
يُفضّل تناول بعض الأطعمة وهي نيئة، وبعضها يكون أفضل صحياً عندما يتم طهيها، وينصح بتناول مجموعة من الأطعمة المطهية والنيئة من أجل الحصول على أكبر قدر من الفوائد الصحية.
ما نستخلصه من هذه المقالة:
بعض الأطعمة تكون مغذية بشكل أكبر عند تناولها نيئة، في حين أن البعض الآخر يكون مغذي أكثر بعد طهيها.
ومع ذلك، فإنه ليس من الضروري اتّباع نظام غذائي يعتمد على الأطعمة غير المطهية بالكامل من أجل التمتع بصحة جيدة.
لذا يجب تناول مجموعة متنوعة من الأطعمة الغنية بالعناصر الغذائية النيئة والمطهية منها، من أجل الحصول على الفوائد الصحية كاملةً.