آلام أسفل الظهر، أو الآلام التي تصيب الجزء الخلفي بين القفص الصدري والحوض، هي إحدى الشكاوى الأكثر شيوعاً للإعاقة المتعلقة بالعمل، ومن الأسباب الرئيسية لترك العديد من الوظائف، في حين أن معظم انكماشات الظهر تختفي من تلقاء نفسها بعد بعضة أيام، كثير من الناس يعانون من آلام الظهر المزمنة.
حسب تصريحات المعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية، في الولايات المتحدة، فإن حوالي 80 في المئة من الأشخاص في الولايات المتحدة يعانون من نوبة واحدة على الأقل من آلام الظهر في خلال حياتهم. يمكن للظهر أن يخرج عن هدوئه العام بسهولة جداً لأنه يقوم مقام الدعامة الرئيسية للجسم ويرتكز عليه أغلب الوزن في كثير من الأحيان.
إن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 30 والـ 50 يميلون لأن يكونوا أكثر عرضة للمعاناة من هذا النوع من الآلام، ربما لأنهم ينفقون كميات كبيرة من وقتهم أثناء اليوم في الجلوس، بالترافق مع تجارب وحركات قد تكون قوية جداً في بعض الأحيان، والتي بإمكانها أن تحدث وتسبب الإصابة.
أنواع وأسباب الألم:
يقول الدكتور كريستوفر ماهر، مدير قسم الجهاز العضلي الهيكلي في معهد جورج للصحة العالمية في جامعة سيدني في أستراليا: “إن معظم آلام الظهر هي واحدة من أربع أنواع؛ أحد أشكالها يدعى بعرق النسا، ويحدث عندما يتم قرص الأعصاب داخل العمود الفقري.
ولدينا عند حدوث ضغط على العمود الفقري، المساحات الفارغة في العمود الفقري تضيق على بعضها، وقد يؤدي ذلك الى زيادة في الضغط على الأعصاب داخلها، أي داخل العمود الفقري. هنالك آخرون يعانون من آلام الظهر وأسفل الظهر بسبب الالتهابات والكسور والرضوض أو الأمراض الخطيرة المزمنة مثل السرطان“. ويقول د. ماهر “أن ما يتراوح بين الـ 50 إلى الـ 60 في المئة هي أمراض نادرة يمكننها أيضاً التسبب في آلام الظهر الشديدة”.
يضيف أيضاً لمجلة “لايف ساينس”: “إن الشكل الأكثر شيوعاً، والذي يشكل حوالي 90 في المئة من جميع الحالات، هو ما يسمى (آلام الظهر الشائعة غير المحددة)، مما يعني “نحن لسنا على درجة جيدة من التأكد عما يكون المسبب الرئيسي في تلك الآلام”.
معناه أنه قد يكون التواء، أو رفع حمولة ثقيلة بطريقة غير صحيحة قد يؤدي إلى التواء أو إجهاد للعضلات المحيطة والأربطة في الظهر وأسفل الظهر، ما يسبب آلاماً حادة قد لا تطاق. بالإضافة إلى ذلك، تميل الأقراص السفلية بين العمود الفقري، أو بين الفقرات إلى التفكك أو الانزياح مع التقدم في السن، مما يقلل من إمكانيتها لامتصاص الصدمات، تلك الإمكانية التي تمتلكها في حالتها الطبيعية. وعلى الرغم من أن الأطباء لا يتفقون على مقدار ما يسببه ذلك من آلام الظهر.
وهنالك العديد من عوامل الخطر المرتبطة بآلام الظهر المزمنة (الدائمة)، وقال د. ماهر أن “التدخين، أو عدم النشاط البدني وأيضاً زيادة الوزن، يمكن أن يزيد من مخاطر اختبار آلام ظهر قوية جداً، بالإضافة إلى ذلك، فالأشخاص الذين يؤدون أعمالاً عضلية تنطوي على رفع الأشياء الثقيلة كثيراً ما يضاعفون آلامهم معدلات خطرهم عن طريق ذلك النوع من التحرك.”
يضيف د. ماهر: “أيضاً لدينا الأشخاص الذين يشكون من الضائقة النفسية والضغوط الجسدية والعقلية بسبب بيئة العمل المجهدة أو ضعف الدعم الاجتماعي، يميلون أيضاً إلى الشعور بألم الظهر المزمن بشكل أكبر”. كما يمكن أن نربط آلام الظهر باحتمال وفاة الشخص وفقاً لدراسة أجريت عام 2017 نشرت في المجلة الأوروبية للألم. فأولئك الذين تتراوح أعمارهم بين السبعين فما فوق من كبار السن الذين أفادوا بأنهم يعانون من آلام الظهر والرقبة كانوا أكثر عرضة للوفاة بنسبة 13 في المئة بالمقارنة مع الأشخاص الذين تخلو حياتهم من آلام الظهر والعمود الفقري عموماً.
العلاج والاستشفاء:
علاج آلام الظهر هو أمر ليس بالسهل أبداً. فبالنسبة للأوجاع والآلام البسيطة أو الوخز الطفيف بعد إصابة أو إجهاد شديد، انه عادة ما يكون من الكافي اتخاذ مسكن للآلام، سواء اسيتامينوفين (تايلينول) أو غير الستيرويدية المضادة للالتهابات مثل الايبوبروفين (آدفيل)، ومن ثم متابعة الأنشطة الاعتيادية بنوع ما من الحذر. ووجدت دراسة قام بها د. ماهر وزملاؤه في يوليو 2014 والتي قد نشرت في مجلة لانسيت أن تناول الاسيتامينوفين لا يساعد الناس على التعافي عاجلاً من آلام الظهر.
وصرح د. ماهر بخصوص ذلك: “إن الأدوية الأفيونية وصفة طبية، مثل الأوكسيكودون (الأوكسيكونتين)، قد تخفف الألم، وهذا جيد، ولكن الأطباء يترددون في وصف هكذا عقاقير عادة لأن الناس تتطور بسرعة باتجاه التساهل مع عقاقير كهذه ويمكن أن تتحول للاستخدام غير المشروع بين طبقات المجتمع”.
في بعض الأحيان قد تساعد العلاجات الوهمية (placebo)، وقد أظهرت دراسة أجريت عام 2016 ونشرت في مجلة PAIN وضمت 100 شخص، كشفت أن أولئك الذين اتبعوا دواء بلاسيبو (وهمي) أضيف إلى دوائهم العادي أفادوا أن الألم والعجز الذي كانوا يشعرون به سابقاً قد تضاءل بنحو 30 في المئة عن بداية الشروع بالدراسة، في تطور مثير للاهتمام، أولئك الذين كانوا يتبعون الدواء الوهمي قد شعروا بنحو أفضل، على الرغم من أنهم كانوا على علم بأن الأدوية كانت وهمية منذ بداية الدراسة.
يقول د. ماهر: “بالتوازي، على الرغم من أنه من المغري للأشخاص أن يضعوا أقدامهم في ماء فاتر أو أن يقبعوا في السرير عندما تشتعل آلام الظهر عندهم، فإن هذا في الواقع أسوأ شيء يمكنهم القيام به”.
تظهر الدراسات التي جرت على الكلاب والأغنام أن تحميل المفاصل والعضلات في الظهر بوزن خفيف قد يساعد في أن يسرع انتعاش الأنسجة بعد الإصابة.
ويقول د. ماهر: “إن الأقراص الفقرية والغضاريف الموجودة في الظهر لا تمتلك إمدادات جيدة جداً من الدم، لذلك فهي تعتمد على الضغط والحركة والنشاط اليومي لإجبار المواد الغذائية الشافية والعناصر الكيميائية على دخول الأنسجة”.
إن الناس الذين يعانون من آلام الظهر العنيد جداً قد يحتاجون إلى علاج أكثر نشاطاً، مثل العلاج الطبيعي.
فقد وجدت دراسة أجريت عام 2002 ونشرت في مجلة سباين أن التمارين الخلفية يمكن أن تقلل إلى حد كبير من الألم المصاحب للمرضى الذين يعانون من الألم المزمن الراجع لأسباب غير محددة.
مع ملاحظة أنه قد تساعد بعض أشكال العلاج الحديث أيضاً. فقد وجدت دراسة أجريت عام 2014 ونشرت في مجلة تأهيل الظهر والعضلات والعظام، وأخرى في المجلة السريرية للألم أن الأشخاص الذين يتلقون العلاج المعرفي السلوكي (CTB)، وهو نوع من أنواع العلاج الحديث، إلى جانب العلاج الطبيعي قد شهدوا انخفاضاً أكبر بكثير للألم من الذين عولجوا عن طريق العلاج الطبيعي لوحده.
إن الناس الذين هم أكثر قلقاً، مصابي الخوف والاكتئاب حول آلامهم يمكن أن يستغرقون وقتاً أطول في التعافي، لذلك قد تعمل جلسات الـ CBT في مساعدتهم على إعادة صياغة تفكيرهم حول الألم ذاته.
يقول د. ماهر مختتماً: “إن الأشخاص الذين يستبدلون تحدياتهم بمعتقدات أكثر فائدة وإيجابية سيساعدون أنفسهم على التعافي بشكل أفضل”