يمكنك أن تسبق التغيرات المتعلقة بالعمر التي تصيب قدراتك الذهنية دوماً، وذلك باستخدامك معظم قدرات دماغك على التذكر
نعاني جميعاً من لحظات النسيان تلك، فقد ننسى أين وضعنا المفاتيح، أو لمَ دخلنا غرفةً ما، أو اسم أداةٍ ما. وغالباً ما تعكس هذه الحوادث البسيطة تغيّراتٍ متعلّقة بمهاراتنا العقلية. وبهذا الصدد يقول الدكتور Joel Salinas وهو عالم أعصابٍ يختصّ في علم الأعصاب السلوكي والطب النفسي العصبي في مستشفى ماساشوسيتس العام التابع لهارفارد: “يعاني الجميع من انخفاضٍ في الفعاليات الدماغية مع مرور الوقت وعلى جميع المستويات، باستثناء الجزء الذي يخص المفردات.”
كيف تعمل الذاكرة
تشتمل فعالية الذاكرة على ثلاثِ عملياتٍ هي: التشفير، والتسجيل، والاسترجاع. هذا ويتلقّى الدماغ المعلومات الجديدة (يأخذها ويشفرّها)؛ ليسجّلها (أو يخزّنها) فيما بعد؛ وأخيراً يستعيد الدماغ هذه المعلومات أنّى احتجناها.
ويُذكر أنّ أجزاءً عديدة من الدماغِ تساهم في هذه الفعالية. فعلى سبيل المثال، تصل المعلومات الجديدة من حواسنا المختلفة إلى القشرة المخيّة (الطبقة الخارجية الكبيرة من الدماغ). ثمّ تقوم اللوزة بوسم هذه المعلومات وتحديد فيما إذا كانت تستحق التخزين. وبالقرب من ذلك، يقوم حصين البحر وهو عضو في الدماغ بتخزين الذكريات. بينما تساعدنا الفصوص الجبهية على استعادة المعلومات على نحوٍ واعٍ.
عندما تشيخ الذاكرة
يلاحظ العديد من الناس تراجعاً في ذواكرهم مع بداية الخمسينات من العمر، في هذا الوقت، يمكن أن تنشأ تغيراتٌ كيميائية وبنيوية في مناطقَ من الدماغ تتعلق بالذاكرة، كحصين البحر والفصوص الجبهية. وقد تبطّئ هذه التغيّرات من سرعة معالجة المعلومات؛ ما قد يشكّل صعوبةً في تذكر أسماءٍ وكلماتٍ مألوفة عادةً.
قد تؤثر على ذلك عوامل أخرى أيضاً، ويوضّح هذا الدكتور Salinas بقوله: “الذاكرة الفعّالة هي دفتر ملاحظاتٍ ذهني يُمكّننا من استخدام المعلومات الهامة خلال النهار، ولكنها عرضةٌ للاكتئاب، والقلق، والكَرْب. كما أنّ قلّة النوم قد تؤثر على قدرة الدماغ على احتباس المعلومات واستخدامها”.
كما قد تملك بعض الأدوية تأثيراتٍ جانبية تصيب الذاكرة. مثلاً، إذا كنت تستخدم أدويةً مضادة للقلق كدواء كلونازيبام (كلونوبين)، قد تتعرض لتأثيراته المنومة التي تجعل دماغك أقل تنبهاً وأكثر بروداً. وهذا بدوره سيزيد من صعوبة المهمة على دماغك وخصوصاً بما يتعلّق بالخطوات الأساسية لعملية الذاكرة.
هذا ويقول الدكتور Salinas أن علاج هذه المشاكل أولاً يساعد على تحسين الذاكرة غالباً.
حيل من أجل تحسين الذاكرة
لتقوية الذاكرة لا بد من استخدام معرفتنا بالطريقة التي تعمل بها، وقد تساعدك الاستراتيجيات التالية على ذلك:
- أعِد ما تسمعه بصوتٍ عالٍ: كاسم شخصٍ ما، أو عنوانٍ، أو فكرةٍ جديدة؛ فالتكرار يزيد من احتمال تخزين المعلومات، والقدرة على استعادتها في وقتٍ لاحق. وفي هذا الصدد يقول الدكتور Salinas: “في كلّ مرةٍ نعيد فيها معلومةً جديدة، نعطي دماغنا فرصةً أخرى لتشفير هذه المعلومات، وتتقوّى بذلك الوصلات بين الخلايا الدماغية. يشبه هذا رسم طريقٍ للمسير في الغابات، كلما سرت مجدداً على الطريق نفسه، كلما أصبح السير على ذات الطريق أسهل في المرات القادمة.”
- اكتب ملاحظة بأسماء الأشخاص الذين تحتاج للاتصال بهم، والمهام القصيرة الواجب أداؤها، والمواعيد. “نحن أقدر بكثير على التعرف على الذكريات من تذكرها،” يقول الدكتور Salinas: “فبالتعرف على الأشياء، كقراءة لائحة مهام، لدينا فرصٌ أكثر وتلميحات تساعدنا على العثور على المعلومات التي نحتاجها في ذاكرتنا.”
- كوّن روابط بين المعلومات الجديدة والقديمة. اربط، على سبيل المثال، الاسم الأول لشخصٍ ما بشيءٍ مألوفٍ لك. مثلاً، إذا كان اسم الشخص “بحر”، تخيّل أن هذا الشخص جالسٌ على الشاطئ. أو ألّف قصة ما عن لائحة مشترياتك. “إن أدمغتنا جيدة القدرة على معالجة المتتاليات، وترتيب الأمور في قصة من أحداثٍ متتالية يساعد كثيراً. وكلما ازدادت القصة سخفاً، كلما سَهُل تذكرها. مثلاً، إذا كانت لائحة مشترياتك: حليب، وبيض، وخبز؛ فيمكن أن تكون القصة أنك تتناول الحليب مع Elvis فوق سندويشة بيض!” يشير الدكتور Salinas.
- قسّم المعلومات إلى أجزاء صغيرة كأخذ رقم طويل وتذكره كرقم هاتف. “من الصعب تخزين رقمٍ طويل” يقول الدكتور Salinas، “ولكن من السهل تخزين أجزاءٍ صغيرة من الرقم باستخدام فعاليات التذكر.” وإذا كنت تحاول تذكر كلمةٍ ستلقيها في زفاف أحدهم، ركّز على تذكر كل جملةٍ أو فكرة على حدةٍ، بدلا من المحاولات الحثيثة لتذكر الكلمة كلها دفعةً واحدة.
عندما لا تساعدك هذه الحيل
لا تنسَ أن نسيان شيءٍ ثانوي من فترةٍ لأخرى هو أمرٌ طبيعي غالباً. ولكن يخرج الأمر عن الحد المقبول عندما يؤثر على الفعاليات اليومية. ويوصي الدكتور Salinas أن نراجع طبيبنا في حال ارتكبنا أخطاءً متزايدة في العمل أكثر من المعتاد، أو في حال واجهنا صعوباتٍ في دفع الفواتير، أو في حال واجهنا مشاكل في إكمال المهام، والطبخ، والرد على البريد الالكتروني. ولكن لا تقلق: “في غالب الحالات، يوجد سببٌ مؤقت وعكوس لهفوات الذاكرة. وحالما عالجت هذا السبب، يمكنك العودة إلى قدرتك السابقة على التذكر.” يعلق الدكتور Salinas.