هل تسبب السجائر الإلكترونية ضررًا أقل من تدخين السجائر العادية، وهل ستساعدني في الإقلاع عن التدخين؟
تراود هذه الأسئلة الكثير من المدخنين الذين يدخنون لكنهم يرغبون في الإقلاع عن التدخين، ويعرضوها على أخصائيي الرعاية الصحية.
يعد هذا الموضوع من المواضيع الساخنة، وأحد النقاشات الشائعة والتي لا تنتهي حول الفوائد والأضرار المحتملة للسجائر الإلكترونية وكيفية ضبطها.
أقيمت العديد من الدراسات والأبحث التي تتناول موضوع السجائر الالكترونية، وفي إحدى هذه الأبحاث يذكر مؤلفوا إحدى المراجعات الجديدة، والذين يعملون في مستوصف أبردين الملكي في المملكة المتحدة، إن هدفهم الأساسي هو التحذير من هذا الموضوع.
ونشرت مجلة الكلية الملكية للأطباء في إدنبرة بحثاً عن نتائجهم في عامنا الحالي، يقول مؤلف الدراسة أبهي ماثور – Abhi Mathur والذي أجريت معه المقابلة، وهو من قسم صحة الجهاز التنفسي، ” يدخن سجائر التبغ التقليدية عدد قليل من الناس مقارنةً، بعدد الأشخاص الذين يقومون باستخدام السجائر الالكترونية التي تطلق البخار (الفيب)”.
ما هي السجائر الالكترونية – E-cigarettes ؟
السجائر الإلكترونية هي عبارة عن أجهزة تعمل بالبطاريات، يستخدمها الناس في استنشاق أو تدخين مواد عديدة من بينها مادة النيكوتين، هناك عدة أنواع لها من مختلف العلامات التجارية، وما يزال سوقها ينمو إلى هذه اللحظة.
ينتقل النيكوتين في السجائر التقليدية إلى الرئتين من خلال استنشاق دخان التبغ، وترافق هذه العملية إيصال بعض المواد الضارة إلى عمق الرئتين أيضاً، بعض السموم مثل القطران وأول أكسيد الكربون.
بينما تقوم عملية التدخين الالكترونية، إلى إيصال بعض المواد الضارة والتي تصاحب دخان السجائر إلى الجسم، لكن تشير الأبحاث إلى أن مستويات ضرر هذه المواد والموجودة في السجائر الإلكترونية أقل بكثير من السجائر العادية.
تدخين السجائر العادية في تناقص بينما السجائر الالكترونية في ازدياد
تؤكد الأرقام الصادرة عن منظمة الصحة العالمية – World Health Organization (WHO)، أن عدد الأشخاص الذين يدخنون التبغ في جميع أنحاء العالم يستمر بالانخفاض في الفترة الأخيرة.
وبالتزامن مع هذا الانخفاض المستمر، فإن أعداداً كبيرة من الناس لا تزال تدخن، وما زال التأثير الضار للسجائر على الصحة العامة كبيراً.
حيث قام أكثر من 1.1 مليار شخص بتدخين منتجات التبغ في عام 2015 وحده، وبحسب ملاحظ مؤلفين الدراسة هذه العادة الضارة بالصحة “لا تزال السبب الرئيسي لكثير من الأمراض والوفاة المبكرة، لذا يجب الوقاية منه”.
احصائيات وأرقام
وفي ظل هذه الاحصائيات، فإن الاتجاه السائد في استخدام السجائر الإلكترونية أو الفيب vape دوماً في ازدياد، حيث يستخدم ملايين الأشخاص مجموعة من منتجات السجائر الإلكترونية بمختلف أنواعها.
تقدر مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) في الولايات المتحدة الأميركية، أن حوالي 6.9 مليون من الأشخاص البالغين، أو 2.8 في المائة من جميع فئات البالغين، كانوا قد جربوا أو يستخدمون السجائر الإلكترونية في عام 2017، وهذا هو العام نفسه الذي انخفض فيه استخدام السجائر التقليدية ووصل إلى أدنى مستوى له.
استخدم حوالي 6 في المائة من السكان في المملكة المتحدة السجائر الالكترونية أو حوالي 2.9 مليون من الأشخاص البالغين في عام وحده 2017. تستخدم الغالبية العظمى من الناس السجائر الإلكترونية في المملكة المتحدة، وهم إما يدخنونها للمرة الأولى أو اعتادوا على تدخينها، مع تفوق العامل الأخير على السابق.
توقف معدل استخدام السجائر الإلكترونية بين الأشخاص الذين يدخنون حالياً في المملكة المتحدة عن الارتفاع بحلول عام 2017، في حين استمر معدل التدخين بين الأشخاص الذين اعتادوا التدخين وما زالت هذه الأرقام في حالة ازدياد.
كان 52 في المائة من البالغين تستخدم السجائر العادية للتدخين في احصائية عام 2017، مقارنةً بـ 45 في المائة، ممن كانوا يستخدمون السجائر الإلكترونية.
لاحظ المؤلفون أن 3 في المئة فقط من مستخدمي السجائر الإلكترونية لم يدخنوا أبداً من قبل. خلصت الدراسة المستقلة والتي أجرتها هيئة الصحة العامة الإنجليزية – English public health body، إلى أنه على الرغم من أن الأشخاص الذين لم يدخنوا أبداً من قبل، يحاولون تجربة السجائر الإلكترونية، فمن غير المحتمل أن تكون السجائر الإلكترونية سبباً رئيسياً “لتقويض الانخفاض الطويل الأجل في تدخين السجائر العادية” وخصوصاً بين الشباب واليافعين في المملكة المتحدة.
تدخين السجائر العادية مقابل السجائر الالكترونية
كما يشير المؤلفون في هذه الدراسة، أنه بالنسبة للأشخاص الذين يدخنون السجائر التقليدية وتحولوا إلى تدخين السجائر الإلكترونية بدلاً منها، عليهم أن يتوقعوا تقليل فرص تعرضهم لخطر الإصابة بالسرطان بنسبة كبيرة، وذلك بسبب تقليل تعرضهم لأكثر من 70 مادة مسرطنة معروفة موجودة في دخان التبغ.
وفي هذا الخصوص قام المؤلفون بذكر بعض البحوث التي تدور حول “قوة تأثير السرطان”، حيث وجدوا أن تأثير السرطان أقل بنسبة 0.5 في المائة عند مدخني “الفيب” من مدخني التبغ.
يزيد التدخين التقليدي من خطر الإصابة بمشاكل القلب والأوعية الدموية وفي مرات كثيرة يصبح سبباً لحدوث الوفاة المرتبطة بهذه الأمراض. يموت الكثير من الأشخاص في الواقع، والذين يدخنون بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية بشكل رئيسي أكثر من السرطان.
تدخين سيجارة عادية واحدة في اليوم، يمكن أن يقي المدخن من خطر الإصابة بأمراض القلب إلى نسبة النصف وذلك مقارنةً بتدخين 20 سيجارة في اليوم الواحد.
السبب الرئيسي لوجود مثل هذا الخطر، هو وجود جزيئات متناهية الصغر يمكن أن تدخل مجرى الدم والناتجة عن دخان السجائر المستنشق، واستنشاق هذه الجزيئات يمكن أن يؤدي بدورها إلى التهاب يؤذي القلب والدورة الدموية عند المدخنين.
تشير الأبحاث إلى أن تدخين السجائر الالكترونية (التي تطلق الأبخرة)، يمكن أن يكون سبباً أيضاً في إدخال جزيئات ضارة متناهية الصغر لمجرى الدم، ويذكر المؤلفون العديد من الأدلة التي ظهرت في العديد من الدراسات والتي تناولت آثار السجائر الالكترونية.
قد يفسر هذه النتائج، قيام دراسة علمية بإجراء مسح أجري حديثاً لما يقارب من 70،000 شخص في الولايات المتحدة الأمريكية مصابين بالأمراض القلبية. تشير هذه الدراسة إلى أن الأشخاص الذين يدخنون السجائر الالكترونية كل يوم، كانوا أكثر عرضة لخطر الإصابة بنوبة قلبية من أولئك الذين يستخدمونها من حين لآخر، أو أولئك الذين اعتادوا أن يقوموا بمجرد نفخ الهواء. تمسك الباحثون بهذه النتائج عندما استبعدوا الآثار المحتملة لتدخين السجائر التقليدية أيضًا.
كشفت دراسة أخرى أجريت عن زراعة الخلايا، أن بخار السجائر الإلكترونية يمكن أن يجعل نوعاً من الخلايا المناعية في الرئة، أكثر عرضةً للإصابة بالتهاب، مع احتمال عدم القدرة على إزالة هذه البكتيريا.
دور السجائر الالكترونية (الفيب) في الإقلاع عن التدخين
يلاحظ العديد من المختصين أنه على الرغم من الإدمان الشديد والذي يسببه النيكوتين، إلا أنه في جرعات الاستنشاق العادية، لا يسبب ضرراً سريرياً.
تعتبر المواد التي تصاحب النيكوتين في الجسم هي المسبب الرئيسي والتي تجعل التدخين عادةً ضارة بالصحة، ويمكن القول إن الناس “يدخنون النيكوتين لكنهم يموتون من القطران”.
ويذكر الباحثون إن المصنّعين صمموا السجائر الإلكترونية على فكرة استخدامها، كوسيلة لمساعدة الأشخاص المدخنين على الإقلاع عن تدخين السجائر التقليدية، وقد شكلت الأجهزة جزء من الخطة الوطنية الخاصة بالإقلاع عن التدخين.
لاحظ المختصين أنه “من المعقول بشكل كبير أن يكون استخدام السجائر الإلكترونية قد ساهم في ذلك” لكن في حقيقة الأمر، بلغت معدلات الإقلاع عن التدخين أعلى مستوياتها في عام 2017. وهي تلخص عدداً من الدراسات التي تدعم هذا.
أظهرت دراسة على سبيل المثال تتبعت فيها استخدام السجائر الإلكترونية، على أن استخدامها مرتبط بقوة بنجاح معدل الإقلاع عن التدخين، بينما كشفت دراسة أخرى أن الإقلاع عن التدخين كان السبب الأكثر شيوعاً والذي بسببه أصبحت الناس تستخدم السجائر الإلكترونية.
واثبتت دراسة ثالثة، أن هناك أدلة تشير إلى أن معدلات الإقلاع عن التدخين كانت أعلى عندما أستخدم الناس السجائر الالكترونية، بينما وجدت دراسة رابعة أن السجائر الالكترونية التي تطلق البخار(الفيب)، كانت أكثر فعالية في مساعدة الناس على البقاء من دون تدخين السجائر العادية لمدة سنة واحدة، أو أكثر من غيرها من الأساليب والطرق التي تساعد على الإقلاع عن التدخين.
يبدو أن بعض الخبراء في مجال الصحة العامة، يعتقدون أن ارتفاع معدل استخدام (الفيب) أمر جيد، طالما أنه ينتشر بين الأشخاص المدخنين الذين قاموا باستبدال عادة ضارة مقابل عادة جديدة ذات ضرر أقل، بينما يفضل آخرون استخدام وسائل أخرى للحد من هذا الضرر.
المخاوف الأولية والأدلة المحدودة
لا يوافق باحثون آخرون مع هذا الرأي (مدى التأثير الإيجابي للسجائر الالكترونية)، وبل يشيرون إلى وجود عدة مخاوف، تتمثل باستنشاق الأشخاص للأبخرة المنبعثة من السجائر الالكترونية، وخاصةً الأشخاص اللذين بدورهم لم يدخنوا قط في حياتهم، بالإضافة للمخاطر العديدة التي تواجه الأشخاص الذين يستمرون في تدخين كلا من السجائر العادية والسجائر الإلكترونية.
يقترح هؤلاء الباحثون أن السجائر الإلكترونية قد تكون وسيلة لـ “إعادة ظهورعادة التدخين وبشكل أكثر انتشاراً في مجتمع يجب أن يكون مثالياً وخالٍ من التدخين”، بالإضافة إلى ذلك يعتبر الباحثون أن تدخين السجائر الإلكترونية يمكن أن يصبح سبباً في تقويض “الامتناع التام عن التدخين”.
نظراً لعدم تواجد الأدلة الكافية التي تثبت فوائد ومضار السجائر الإلكترونية، فمن الصعب للغاية تحديد الآراء الأكثر صحة حول هذا الموضوع.
لقد خلصت إحدى الدراسات والتي أجريت على عدة حالات إقلاع عن التدخين، وكذلك شملت السجائر الإلكترونية، إلى أن النيكوتين الناجم عن بخار السجائر الالكترونية يمكن أن يساعد الأشخاص على الإقلاع عن تدخين السجائر التقليدية لمدة تصل إلى عام واحد بالإضافة لدراستين آخرتين وصلت لاستنتاجات مماثلة.
كما يشير المؤلفون إلى أنه فيما يتعلق بوجود الأدلة الثابتة، اعتمدت الدراسات الثلاثة جميعها على نتائج تجربتين مختلفتين ومضبوطتين.
أظهرت الأدلة من الدراسات الرصدية -أي تلك التي تابعت الأشخاص الذين يدخنون بمرور الوقت – نتائج مختلطة، واختلفت نتائجها عن نتائج التجارب الخاضعة للرقابة، والتي حددها الباحثون بدقة بأحجام عينات صغيرة ومجموعة معينة من الأجهزة المستخدمة وعوامل أخرى.
درست معظم الحالات الرصدية معدلات الإقلاع عن التدخين بين الأشخاص الذين يدخنون والذين لم يجربو استخدام السجائر الالكترونية. لم يستفد البعض من السجائر الإلكترونية، بينما خلص آخرون إلى أن استخدام السجائر الإلكترونية قلل بالفعل من معدلات الإقلاع عن التدخين. توصل الباحثون في متابعتهم إلى نفس الاستنتاج: الأشخاص الذين يدخنون السجائر العادية والسجائر الالكترونية “أقل عرضة للإقلاع عن التدخين”.
ومع ذلك فإن النتائج اختلفت بين مدخني السجائر فعلى سبيل المثال، يمكن أن تكون هناك اختلافات في معدلات الإقلاع عن التدخين بين أولئك الذين يستخدمون السجائر الالكترونية يومياً والتي ينبعث منها البخار (الفيب)، مقارنةً بأولئك الذين يستخدمونها من حين لآخر فقط.
بالإضافة لذلك فإنه يوجد موضوع آخر مثير للقلق، وهو العدد المتزايد من الشباب الذين لم يدخنوا أبداً والذين يستنشقون هذه الأبخرة المنبعثة من السجائر الالكترونية، ففي المملكة المتحدة وحدها ارتفع استخدام السجائر الإلكترونية بين هذه المجموعة بنسبة 18-29 في المائة خلال الفترة 2014-2016.
وهناك كثير من الأمثلة والأدلة التي تؤكد ذلك ففي الولايات المتحدة الأميركية، ازداد استخدام السجائر الالكترونية بين الأشخاص اللذين تتراوح أعمارهم بين 14 و30 عاماً، وترتبط هذه الزيادة غالباً باحتمال تحولهم لاستخدام السجائر الالكترونية من بعد تدخين سجائر التبغ العادية.
وما يزال النقاش مستمراً…
ما دام الملايين من الناس يواصلون تدخين السجائر التقليدية، سيظل التركيز الرئيسي للصحة العامة على السجائر العادية وسيبقى التركيز على الإلكترونية منها محصوراً في استخدامها في الفترة الراهنة كوسيلة مساندة لمساعدة الأشخاص المدخنين للإقلاع عنه.
ظهرت بعض التصريحات التي طرحتها مؤخراً وكالة الصحة الأسكتلندية NHS Health Scotland، والتي تعكس هذا الرأي ومدعومة بتواقيع عدد من الأطباء العاملين في الكلية الملكية للأطباء في إدنبرة.
فإذا أجرينا مقارنة بسيطة من حيث الدراسات والمقالات التي أجريت حول تأثير تدخين التبغ والكمية الهائلة من الأدلة التي تثبت أضراره، فإننا سنجد أن الأبحاث في مراحلها الأولى بالنسبة لموضوع أضرار وتأثير السجائر الإلكترونية.
قد يستغرق هذا الأمر عدة سنوات، قبل أن تتوفر الأدلة الكافية، لإصدار حكم مطلق ومؤكد حول فوائد ومضار السجائر الالكترونية.
نقتبس في النهاية وجهة نظر الدكتور أبهي ماثور – Abhi Mathur حول هذه المشكلة إذ يقول “يستمر النقاش حول مدى سلامة استخدام السجائر الإلكترونية، لكن NHS Scotland و England خلصت إلى أن البخار الذي يصدر عند تدخين السجائر الإلكترونية، أقل ضرراً من تدخين التبغ العادي.”