نصفي الدّماغ الأيمن والأيسر، بين مطرقة الخيال وسندان الواقع

يختلف نصفا الدّماغ الأيمن والأيسر بشكلٍ طفيفٍ من حيث الوظيفة، لكنّ السّؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك نصفٌ مسيطرٌ، وهل لذلك تأثيرٌ على الشّخصيّة؟

هناك اعتقادٌ سائدٌ أنّ بعض الأشخاص يسيطر عليها النّصف الأيسر من الدّماغ بينما يسيطر النّصف الأيمن على غيرهم، والذي بدوره يحدّد طريقة تفكيرنا وتصرّفاتنا.

ونحن في هذا المقال على وشك الغوص في غمار حقيقة هذه المزاعم، وأيضاً تعلّم وظائف وسمات كلًّ من نصفي الدّماغ.

لمحة عامّة

الدّماغ عضوٌ معقّدٌ ومجدٌّ مؤلّفٌ من مئة مليار عصبون أو خليّةٍ دماغيّةٍ ويزن 1,36 كغ. وهو عضوٌ ذو طاقةٍ عاليةٍ، فرغم أنّه يحتلّ 2% من وزن الشّخص إلا أنّه يستخدم 20% من طاقة الجسم.

يتصّل نصفا الكرة الدّماغيّة بعددٍ هائلٍ من الألياف العصبيّة، ويتمّ التّواصل بينهما لكن ليس بالضّرورة؛ حيث بإمكان نصفي الدّماغ العمل بشكلٍ طبيعيٍّ نسبيّاً عند الذين تعرّضوا لإصابة فصلت بين هذين النّصفين.

المعتقدات السّائدة حول نصفي الكرة الأيسر والأيمن

تنصّ المعتقدات السّائدة حول نصفي الكرة الدّماغية على سيطرة نصفٍ على الآخر عند كلّ شخصٍ والذي يؤثّر بدوره على شخصيّة الفرد وأفكاره وتصرّفاته.

ربما يرجع هذه الاعتقاد لفكرة أنّه طالما هناك شخصٌ أيمنٌ وأعسر فلابدّ أنّ هناك من هو أيمن الدّماغ وأيسره.

ويعرف أيسر الدّماغ بكونه:

  • يميل للتّحليل.
  • منطقي.
  • يهتمّ بالتّفاصيل ويميل للحقائق.
  • يميل للتّحليل العددي.
  • يحبّ التّفكير بالكلمات.

بينما يكون أيمن الدّماغ:

  • مبدعاً.
  • ذو تفكيرٍ حرٍّ.
  • قادراً على رؤية الصّورة الكليّة.
  • يميل للنّاحية الحسيّة.
  • ميّالاً إلى التّصوير دون التّفكير بالكلمات.

ما رأي الأبحاث؟

تنفي الدّراسات الحديثة نظريّة نصفي كرة الدّماغ، بناءً على صورةٍ ثلاثيّة الأبعاد أجريت على أدمغة ألف شخصٍ قاموا بقياس نشاط نصفي الكرة الدّماغيّة باستخدام الرّنين المغناطيسي النّووي.

أظهرت النّتائج استخدام الشّخص لنصفي دماغه دون سيطرة نصفٍ على الآخر، والاختلاف في نشاط الدّماغ يتعلّق بالمهام التي يقوم بها الشّخص.

وعلى سبيل المثال، أظهرت دراسةٌ أجريت في بوس بيولوجي Plos Biology وجود مراكز اللغة في النّصف الأيسر من الدّماغ، في حين كون النّصف الأيمن مختصّاً بالمشاعر والتّواصل.

وقد أثمرت الأبحاث المرتبطة بتخصيص جانبي الدّماغ “brain lateralization” بفوز روجر دابليو سبيري Roger W.Sperry بجائزة نوبل عام 1960. لكنّ التّأويلات الثّقافيّة لهذه الاكتشافات قد أدّت إلى الاعتقاد بوجود أشخاصٍ ذوي دماغٍ أيسر وأشخاصٍ ذوي دماغ أيمن.

وظائف وصفات نصفي الكرة الدّماغيّة

هناك فروقاتٌ بين وظيفة كلٍّ من نصفي الكرة الدّماغية وتشمل:

  • العاطفة
    يتم التّعبير عن العاطفة وتمييزها في النّصف الأيمن من الدّماغ عند البشر والحيوانات المتقدّمة.
  • اللغة
    يتميّز النّصف الأيسر من الدّماغ بفاعليّةٍ أكبر في مجال الكلام مقارنةً بالنّصف الأيمن. وبالنّسبة لمعظم الأشخاص، توجد منطقتان رئيسيّتان للغة تعرفان بمنطقة بروكا Broca ومنطقة فيرنكه Wernicke الموجودتين في النّصف الأيسر من الدّماغ.
  • لغة الإشارة
    يسيطر النّصف الأيسر على اللغة المرتبطة بالبصر. ويظهر لدى الأشخاص المصابين بالصّم نشاطٌ دماغيٌّ مشابهٌ للكلام عند مراقبتهم للغة الإشارة.
  • استخدام اليد اليمنى واليسرى
    يستخدم الشّخص الأيمن والشّخص الأعسر نصفي الكرة الدّماغيّة بشكلٍ مختلفٍ؛ فمثلاً يستخدم الشّخص الأعسر النّصف الأيمن من الدّماغ لإنجاز المهام اليدويّة، والعكس بالعكس بالنّسبة للشّخص الأيمن.
    إنّ استخدام اليدين أمرٌ داخلي ويمكن ملاحظته حتى عند الجنين في رحم أمّه؛ وقد يفضّل بعض الأطفال مصّ إصبعهم الأيمن أو الأيسر ابتداءً من عمر 15 أسبوعاً.
  • الانتباه
    يتعلّق الجزء الأيسر من الدّماغ أكثر بالتّركيز على العالم الدّاخلي، أما الجزء الأيمن فيهتمّ بالعالم الخارجي.

كما قد أظهرت دراسات حديثةٌ للصّور الدّماغيّة الفروق بين دماغ الذّكور والإناث من ناحية تخصيص جانبي الدّماغ.

هل يختلف عمل نصفي الكرة الدّماغية بين البشر؟

يختلف نشاط نصفي الدّماغ عند كلّ شخص، حيث قد يتأثّر كلّ نصفٍ اعتاد على نشاطات معيّنةٍ بكونه أيمن أو أعسر.

وقد لاحظت دراسةٌ أجريت عام 2014 أنّ 99% من الأشخاص الذين يستخدمون يدهم اليمنى تركّز مراكز اللغة في الجزء الأيسر من الدّماغ؛ في حين تركّزها عند 70% من الأشخاص الذين يستعملون يدهم اليسرى.

أي أنّ سيطرة نصفي الدّماغ تختلف من شخصٍ لآخر في نشاطاتهم المتنوّعة. ولا تزال الأبحاث قاصرةً في فهم العوامل التي تؤثّر على هذه السّيطرة.

الخلاصة

لا توجد بعد أبحاثٌ علميّةٌ تدعم نظريّة كون الشّخص أيمن الدّماغ أم أيسره، حيث قد يجد البعض أنّ هذه النّظرية لا تدعم تصرّفاتهم، ولذلك علينا ألا نعتمد على صحّتها العلميّة في فهم الدّماغ.

ومازال الاعتقاد السّائد باختلاف الشّخصيّة بناءً على سيطرة إحدى نصفي منتشراً بسبب عدم التّشابه في نشاط الدّماغ واختلافه من شخصٍ لآخر.

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top