حقيقة الخوف من فوات حدث ما (FOMO)

كيف تزيد وسائل التواصل الاجتماعي من الاكتئاب والشعور بالوحدة؟

مصطلح ال (FOMO) أو ما يعرف بالخوف من فوات حدث ما، حالة تصيب عدد لا بأس به من الأشخاص، حيث كشف بحث جديد بعنوان “كيف يمكن لمنصات وسائل التواصل الاجتماعية مثل “الفيسبوك”، عن مدى التأثير الكبير لهذه المنصات على الصحة النفسية للأشخاص.

بغض النظر عما فعلته اليوم على هاتفك أو جهاز الكمبيوتر الخاص بك، فمن المحتمل أن تكون قد استخدمت وسائل التواصل الاجتماعية بطريقة أو أخرى، مثل معرفة ما المحتوى الجديد الذي نشره اصدقائك على الفيسبوك، أو قمت بنشر صور لكلبك على الانستغرام، وربما ضغطت على رابط تويتر لقراءة هذا المقال.

أظهرت الاحصائيات اليوم أن في الولايات المتحدة وحدها، يتزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بنسبة كبيرة، حيث يمتلك ما يقارب 77 في المئة من الأميركيين، ملف شخصي على أحد منصات التواصل الاجتماعي.

على الرغم من شعبية منصات وسائل التواصل الاجتماعي المتزايدة والسرعة التي دخلت بها في جميع جوانب حياتنا تقريباً، فهناك نقص ملحوظ في الدراسات، التي توضّح كيفية تأثير هذه المنصات على شخصيتنا وسلوكنا وعلاقاتنا الاجتماعية أو حتى صحتنا النفسية.

لقد ربطت بعض الدراسات بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومشاكل نفسية وصحية، كإمكانية حدوث اكتئاب أو قلق أو مشاكل بالنوم أو قلة تقدير الذات وضعف التركيز وفرط النشاط، وهذه الحالات تحدث غالباً بشكل أكبر لدى المراهقين، مع ذلك فإن هذه الدراسات ذات طبيعة تقريبية فقط، مما يعني أنها لا تثبت ما إذا كانت هذه المنصات تسبب هذه المشاكل أم لا.

الحجة الشائعة ضد النظرية القائلة بأن وسائل التواصل الاجتماعي، تجعل بعض الأشخاص أكثر اكتئاباً ووحدةً، تتلخص هذه الحجة ببساطة أن اولئك الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب والوحدة أكثر ميلاً لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للخروج من حالتهم النفسية.

هل تسبب فعلاً وسائل التواصل الاجتماعي الاكتئاب؟

أظهرت دراسة جديدة أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، تؤثر بشكل سلبي على نوعية ونمط الحياة وصحتها وبشكل رئيسي على شعور الشخص بالاكتئاب والوحدة، ونشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة علم النفس الاجتماعي والسريري.

تؤكد جوردين يونغ – Jordyn Young وهي إحدى المشاركين في هذا البحث وباحثة في جامعة بنسلفانيا – ” إن ما وجدناه عموماً في هذه الدراسة هو أنه إذا كنت تستخدم وسائل التواصل الاجتماعية بشكل أقل، فأنت في الواقع أقل اكتئاباً و أقل وحدةً، مما يعني أن التقليل من استخدام وسائل  التواصل الاجتماعي، يساعد على تحسين طريقة حياتك”.

اضافت كذلك: ” قبل هذه الدراسة، كان كل ما يمكن أن نؤكده هو وجود علاقة سلبية بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وضعف الحياة الاجتماعية “.

يقول الباحثون بأن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إيجاد صلة سببية بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وضعف الحياة الاجتماعية في بحث علمي.

شملت هذه الدراسة 143 طالباً من جامعة بنسلفانيا، تم فرزهم بشكل عشوائي في واحدة من هاتين المجموعتين:

المجموعة الأولى: واصل مشتركوها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كالمعتاد، بينما مشتركوا المجموعة الثانية، قلّلت بشكل كبير من استخدام وسائل التواصل الاجتماعية.

تم الطلب من  المجموعة الثانية، تخفيض استخدام وسائل التواصل الاجتماعية تدريجياً لمدة ثلاثة أسابيع، من حوالي 30 دقيقة يومياً إلى10 دقائق، هذا الأمر يطبق على كل منصة من منصات الوسائل التالية: (فيسبوك وانستغرام وسناب شات).

دقق الباحثون في بيانات استخدام الهاتف، من أجل الحفاظ على هذه الظروف التجريبية والتي بدورها وثقّت مقدار الوقت الذي يقضيه المستخدم في كل تطبيق يومياّ وكان على جميع المشاركين في الدراسة استخدام أجهزة أيفون حصراً.

هل تتسائل لماذا لم تُمنع المجموعة الثانية من استخدم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كامل؟

نستطيع أن نفسر ذلك بجواب الباحثة يونغ:

” لم نعتقد بأن الامتناع الكامل عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، يعد تمثيلاً دقيقاً لواقع العالم الذي نعيش فيه اليوم، وأضافت قائلةً: إن وسائل التواصل الاجتماعي موجودة في حياتنا بالكثير من الأشكال “.

وكانت نتائج الدراسة واضحة جداً، حيث تبين أن المجموعة الثانية التي استخدمت وسائل التواصل الاجتماعية بشكل أقل، حققت نتائج أفضل في مجال الصحة النفسية.

تم إجراء فحوص أساسية للمشاركين في بداية التجربة في المجالات التالية: النشاط الاجتماعي، الشعور بالوحدة، القلق، الاكتئاب، تقدير الذات، الاستقلال الذاتي.

لاحظ الأشخاص في المجموعة الثانية في نهاية التجربة انخفاضاً في أعراض الوحدة والاكتئاب، ولوحظت  تغييرات أكبر عند اولئك الأشخاص الذين كانوا يعانون من مستويات عالية من الاكتئاب.

تقول الباحثة يونغ: “بغض النظرعن الحالة النفسية للمشتركين في بداية التجربة، أظهرت النتائج أنه عندما قاموا بالحد من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي قلّت معاناتهم من الاكتئاب”.

في نفس الوقت شهدت كلتا المجموعتين انخفاضاً في مستويات القلق والشعور بالوحدة، ويفترض الباحثون بأنه من المحتمل أن يكون المشاركون بالتجربة، قد أصبحوا أكثر وعياً من ناحية استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي.

بعد هذه التجربة ومع وجود علاقة سببية ثابتة لا يزال هناك سؤال أكبر من دون جواب: لماذا؟

حياتنا المنتقاة بشكل مسبق:

 كيف يمكن لهذه الوسائل الاجتماعية أن تحمل ضرر على صحتنا النفسية، وهي مصممة خصيصاً لتقريبنا من اصدقائنا وعائلتنا ؟

الأمر معقد تماماً ويشبه بشكل كبير الخوارزمية، التي تلعب دوراً كبيراً في إظهار المحتوى والأخبار على موقع الفيس بوك.

لقد وصلت بعض الدراسات العامة في هذا الموضوع إلى القليل من الاستنتاجات، بعضها واضح وبعضها أقل وضوحاً، وقال أوسكار يبرا في هذا الصدد – Oscar Ybarra وهو استاذ علم النفس في جامعة ميشيغان  “الذي يحدث عندما تقوم بتسجيل الدخول لهذه المواقع عدة مرات، هو أنك تنشّط في دماغك نوعاّ ما من المقارنة الاجتماعية، حيث لا يتعيّن بالضرورة على الناس أن يكونوا على دراية تامة بحدوث كل هذه الأمور، ولكن ذلك يحدث بالفعل، حيث أنه عندما تقوم بتسجيل الدخول فأنت تتعامل عموماً مع محتوى منظّم جداً”.

نشر الدكتور يبرا – Oscar Ybarra عدة مقالات عن العلاقة بين استخدام شبكة التواصل الاجتماعية – فيسبوك والصحة النفسية وحاول استنتاج سبب هذه العلاقة بنفسه.

لاحظ الدكتور يبرا في أبحاثه، أنه حتى لو كان الأفراد على دراية بالطبيعة “المنسقة” للعديد من منصات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، “إلا أنهم يقومون بإجراء مقارنات لا إرادية مع الاشخاص الذين يستخدمون نفس المنصات وأعتقد أن ما يحدث بالفعل، هو أنه كلما زاد استخدامك لهذه المنصات كلما زاد عدد المقارنات الاجتماعية التي تميل إلى القيام بها، والتي تسبب قلة تقدير للذات وشعور بالاكتئاب”.

يمكن أن تحدث هذه المقارنات الاجتماعية المستمرة مئات المرات كل يوم، ذلك يتعلق بعدد المرات التي تتصفح فيها محتوى هذه الوسائل الاجتماعية.

الخوف من فوات حدث ما، هل هذا الأمر حقيقي؟

 الخوف من فوات حدث ما أو مايعرف بالانكليزية بال  FOMO، يعتبر هذا الخوف أحد التأثيرات الأخرى التي تضر الصحة النفسية والمرتبطة بشكل رئيسي وبقوة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

على الرغم من أن هذا المصطلح جديد نسبياً، إلا أن علماء النفس يؤكدون أهميته وتأثيره على حياتنا الاجتماعية.

آمي سامرفيل – Amy Summerville وهي استاذة علم النفس في جامعة ميامي في أوهايو وتعمل كخبيرة في مشاكل الندم وعلم النفس بمجال (ماذا كان يمكن أن يحدث).

اوضحت أن FOMO هو امتداد لقضايا أكبر من الاندماج والمكانة الاجتماعية وتقول في هذا الصدد “أنه بمجرد تلبية احتياجاتنا الأساسية مثل الطعام والمأوى والماء، فإن الحاجة إلى الاندماج والتفاعل الاجتماعي تصنف كحاجة أساسية”.

وتضيف: “يمكن لتجربة FOMO أن تتلخص بالتحديد،  بذلك الشعور الذي كنت تريد أن تحققه شخصياً ولم تستطع أن تفعل ذلك، والسبب يجعل هذا الشعور قوي ومؤثر بالخيبة ويتطور لنشعر بأننا لسنا مندمجين مع الأشخاص الذين نشترك بعلاقات اجتماعية هامة معهم”.

الاستخدام الحالي الواسع الانتشار لوسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص والتكنولوجيا بشكل عام، قد خلق عالماً يمكننا النظر فيه إلى الكرة الكريستالية الخاصة بنا، لنرى ما يفعله أصدقاؤنا في أي وقت من اليوم، وهذا ليس بالضرورة يمكن أن يكون شيئاً جيداً.

لذا هل يجب علينا جميعاً استخدام منصات التواصل الاجتماعية بشكل أقل؟

أكّد كل من الباحثين يبرا و سومرفيلر، بأنه لا توجد أبحاث كافية لوضع أي نوع من الإرشادات الحقيقية لكيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعية.

قال الدكتور سومرفيل: “لا تستطيع الأبحاث -في هذه المرحلة- أن تخبرنا بأن الجميع بحاجة إلى ترشيد استخدام هذه التطبيقات على هواتفهم، إن ذلك بالنسبة لي يوحي أن هذا الأمر قد يكون مفيداً، لا سيما بالنسبة للأشخاص الذين يعانون بالفعل من المشاعر السلبية والضغوط النفسية”.

مع ذلك، من الواضح بأن وسائل التواصل الاجتماعي لن تختفي، بل على العكس فمن المحتمل بشكل كبير أن يحقق هذا النوع من التكنولوجيا انتشاراً أوسع في المستقبل.

غيرت ألعاب مثل “Pokémon Go” المعنى الاجتماعي لما يعنيه ممارسة لعبة فيديو، وأُنشِت تطبيقات مثل (Strava)  كشبكة اجتماعية، حيث يمكن للمستخدمين من خلالها مشاركة تمارين اللياقة البدنية الخاصة بهم وما تم تحقيقه، وقد انتقلت (LinkedIn) من منصة للبحث عن الوظائف إلى شبكة اجتماعية كاملة للعاملين في المجال المهني.

أضاف الدكتور يبرا: “نظراً لمدى توفر هذه التقنيات واستمرارها، فإنها ستكون جزءاً يمثل كيفية تفاعلنا مع عالمنا ومع الناس بشكل خاص، وبالتأكيد هناك الكثير من العمل الذي سيتعين علينا القيام به في هذا المجال”.

الخلاصة:

يمكن أن يؤثرالاستخدام المكثّف لوسائل التواصل الاجتماعي على سلامة صحتك النفسية، ويمكن أن يساعد تقليل مدة استعمال هذه التطبيقات على تقليل آثارها على الصحة النفسية.

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top