كيف يعزز الإجهاد المزمن نمو الخلايا السرطانية؟

بعد إجراء دراسة جديدة على الفئران، استطاع الباحثين أخيراً فهم الآلية التي يعمل من خلالها الإجهاد المزمن (طويل) على تسريع نمو الخلايا الجذعية السرطانية بشكل أفضل، ذلك بهدف ايجاد طريقة فعالة لمنع الأجل والمستدام التلف الناتج عن الإجهاد .

يؤثر الإجهاد المزمن في حال عانى منه الشخص باستمرار ولفترة طويلة من الزمن على الصحة العقلية والعاطفية وكذلك على الصحة البدنية. حيث ربطت الدراسات بين الإجهاد المزمن والإعاقة المعرفية المتسارعة من جهة، وبين الاجهاد وخطر الإصابة بمشاكل القلب وصحة الأمعاء من جهة ثانية.

تشير الأبحاث السابقة أيضاً إلى أن التعرض للإجهاد يمكن أن يسرع نمو السرطان من خلال نتيجة تأثيره على نشاط الجينات.

توصل الباحثون اليوم في جامعة داليان الطبية في الصين – بالتعاون مع زملائهم من جميع أنحاء العالم – إلى الآلية الرئيسية التي يؤدي الإجهاد المزمن من خلالها الى تغذية نمو الخلايا الجذعية السرطانية التي تنشأ عنها الأورام.

وبشكل أكثر تحديداً درس الباحثون هذه الآلية على نماذج الفئران المصابة بسرطان الثدي.

تشير النتائج التي توصلوا إليها – والتي نشروها في مجلة التحقيقات السريرية – بأصابع الاتهام إلى هرمون الإجهاد ألا وهو الإبينفرين (epinephrine)، كما خلصت النتائج إلى وضع استراتيجية جديدة لمقاومة آثر آليات الإجهاد على الخلايا السرطانية.

يقول كيث كيلي من جامعة إلينوي في شيكاغو، “يمكن قتل جميع خلايا الأورام التي تريدها”، لكن في حال لم يتم قتل الخلايا الجذعية أو الخلايا الأم، سيؤدي ذلك الى نمو الورم وانتشاره “.

ويضيف: “هذه واحدة من أولى الدراسات التي تربط بين الإجهاد المزمن على وجه التحديد ونمو الخلايا الجذعية لسرطان الثدي.”

الإجهاد يغذي نمو الورم

لمعرفة كيف سيؤثر الإجهاد على نمو خلايا السرطان في القوارض، وضع الباحثون مجموعة من الفئران في عبوات صغيرة مقيدة لمدة أسبوع ثم قسموا الفئران إلى مجموعتين.

ثم وضعوا المجموعة الأولى في حاويات كبيرة ومريحة لوقف التوتر؛ عُدت هذه الفئران كمجموعة الشاهد، أما المجموعة الثانية فبقيت في العلب الصغيرة لمدة 30 يوماً اضافياً؛ عُدت هذه الفئران بمثابة المجموعة التجريبية.

بعد الدراسة الأولية لم ير العلماء أن الفئران المجهدة أظهرت تغيرات في السلوك تدل على الاكتئاب والقلق، ولكن كان لديها أورام سرطانية أكبر عند مقارنتها مع أقرانها في مجموعة الشاهد.

كما لوحظ أن هذه الأورام تنمو بمعدل أسرع، فقد كان لدى الفئران المجهدة عدد أكبر من الخلايا الجذعية السرطانية، علماً أن آلية تأثير الإجهاد في تطور السرطان لم تكن واضحة بشكل دقيق في هذه المرحلة.

وفقاً للباحث الرئيسي كوينتين ليو، من معهد الخلايا الجذعية للسرطان في جامعة داليان الطبية، “لا تزال شبكة الإشارات المباشرة بين مسارات الإجهاد ونظام انتشار السرطان مجهولة تماماً “.

ويضيف: ” الفهم الأفضل للكيمياء الحيوية التي يؤدي الإجهاد من خلالها لزيادة نمو الخلايا السرطانية يمكن أن يقودنا إلى تدخلات دوائية موجهة، استطعنا اكتشاف أحدها في هذا العمل.”

الادرينالين هو المسبب وليس الكورتيزول

عندما نظر الباحثون في كيفية تغير العوامل الفسيولوجية المختلفة في الفئران التي عانت من الإجهاد المزمن، اقترح الباحثون أن هرمون الإيبينيفرين هو السبب.

وجدوا أن الفئران المجهدة لديها مستويات عالية جداً من هرمون الإيبينيفرين مقارنة مع فئران في مجموعة الشاهد، أضف الى ذلك أن فئران المجموعة التجريبية التي تلقت دواء ADRB2 – وهو مستقبل الأدرينالين – كانت لديها أورام السرطان أصغر وأعداد الخلايا الجذعية السرطانية أقل.

يقول كيلي: “عندما يفكر معظم الناس في التوتر فهم يعتقدون أن الكورتيزول يعمل على قمع الجهاز المناعي“. لكن “الشيء المذهل هو أن الكورتيزول أنخفض تركيزه بعد معاناه الفئران من التوتر لمدة شهر كامل”.

كيف يساعد الإيبينيفرين في نمو الخلايا الجذعية السرطانية؟ يوضح المؤلفون أنه عندما يرتبط هذا الهرمون بـ ADRB2 ، فإن التفاعل الناتج يعزز مستويات هرمون الهيدروجين اللاكتات، وهو إنزيم يمنح العضلات عادة “حقنة” طاقة عند تعرض الشخص لمواقف الخطر. هذا يسمح للشخص إما بمواجهة التهديد أو الهرب منه.

والنتيجة الثانوية لزيادة الطاقة هي إنتاج مركب عضوي يسمى اللاكتات، وبالنسبة للأشخاص المصابين بالسرطان، تتغذى الخلايا الضارة بالفعل على هذا المركب؛ كونه يمكنها من الحصول على المزيد من الطاقة.

هذا يعني أنه إذا كان الشخص يعاني من الإجهاد المزمن، فسيكون لديه الكثير من نازعة هيدروجين اللاكتات في نظامه، سيؤدي هذا بدوره إلى تنشيط الجينات المرتبطة بنمو السرطان والسماح للخلايا السرطانية بالتطور والنمو.

“توفر هذه البيانات مساراً جديداً يوضح كيف أن الإبينفرين المرتفع الناجم عن الإجهاد المزمن يعزز تقدم سرطان الثدي من خلال التأثير على الخلايا الجذعية السرطانية بشكل مباشر.”                    ( كوينتين ليو )

هل فيتامين C هو الحل؟

قام الباحثون لاحقاً بالتحقق من صحة نتائجهم من خلال دراسة مستويات الادرينالين في الدم لدى 83 شخصاً مصابون بسرطان الثدي.

وجدوا حتماً أن الأشخاص الذين لديهم مستويات عالية من الدم من الإيبينيفرين لديهم أيضاً فرط نازعة اللاكتات في أورام السرطان – التي تمكن الباحثون من الوصول إليها عبر فحص عينات خزعة من سرطان الثدي.

كما وجدوا أن الأشخاص الذين لديهم مستويات عالية من هرمون الإيبينيفرين الناتج عن الإجهاد كانت نتائج علاجهم  ضعيفة عند مقارنتهم مع الأشخاص الذين توفر لديهم هرمون الإيبينيفرين بكميات منخفضة.

حاول العلماء معرفة ما إذا كان بإمكانهم تحديد استراتيجية لمنع الآثار الضارة للإيبينيفرين على نظام الجسم أم لا، بعد اجراء الاختبارات المعملية على خطوط خلايا سرطان الثدي، دُرست آثار بعض الأدوية التي تثبط انتاج  هيدروجيناز اللاكتات بعد الحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء (FDA).

خلصت الدراسة الى أن أكثر المواد الواعدة هو فيتامين C، استطاع هذا الفيتامين منع إنتاج إنزيم هيدروجيناز في التجارب المعملية. وعند اختبار هذا النهج على نماذج الفئران حصل الباحثون على نفس النتائج: الفئران المجهدة التي حقنت بفيتامين C حققت انكماش وتقلص في الورم.

وخلص ليو إلى أن “هذه النتائج مجتمعة تبين قدرة فيتامين (C) على أن يلعب دور عامل علاجي جديد وفعال في استهداف السرطان لدى المرضى الذين يعانون من الإجهاد المزمن”.

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top