اكتشاف طفرة لدى شعب الآميش تحمي من السكري ويمكن أن تطيل العمر

أظهرت دراسة جديدة أن شعب الآميش الذي يعيش في منطقة قروية من ولاية إنديانا الأميركية يحمل طفرة جينية نادرة تحمي حامليها من مرض السكري من النوع الثاني، ويبدو أيضاً أنها تطيل أعمارهم بشكل ملحوظ.

يقول بعض الخبراء أن نتائج الدراسة التي نُشرت في مجلة التقدم العلمي “Science Advances ” قد ألقت الضوء على العملية الكامنة وراء الشيخوخة الخلوية، ويمكن أن تقود العلماء إلى اكتشاف علاجات جديدة للأمراض المزمنة، فالباحثون يخططون للقيام بتجربة إضافية واحدة على الأقل تقوم على إعادة خلق تأثير الطفرة، وذلك ليتمكنوا من دراسة تأثيرها على الأشخاص المصابين بالبدانة والذين يعانون من مقاومة الأنسولين التي تعتبر بأنها مرحلة تنذر بالإصابة بمرض السكري، وتؤثر الطفرة التي وصفت في البحث الحديث على نوع غامض من أنواع البروتين يدعى باسم مثبط مفعلات البلازمينوجين-1 ” plasminogen activator inhibitor-1″ والذي يعرف أصلاً بدوره في تحسين عملية تخثر الدم، وقد عرفت هذه الطفرة لأول مرة في عام 1991 في المجتمع المنعزل لشعب الآميش الزراعي في مدينة برن في ولاية إنديانا، وقدرت نسبة حاملي الطفرة ب 5 بالمئة من هذا المجتمع، والتي تتسبب في جعلهم ينتجون مستويات منخفضة عن المعتاد من مثبط مفعلات البلازمينوجين-1 ، ولطالما اشتبه العلماء بأن مثبط مفعلات البلازمينوجين-1 (PAI-1) لديه وظائف أخرى غير التخثر متعلقة بالشيخوخة.

على سبيل المثال لاحظ الدكتور دوغلاس فوغان “Douglas Vaughan” وهو متخصص في أمراض القلب في جامعة نورث وسترن الطبية بأن الفئران التي عدلت وراثياً لكي تنتج مستويات مرتفعة من ذلك البروتين تشيخ بسرعة ملحوظة وتصاب بالصلع وتموت بنوبة قلبية في أعمار صغيرة، أما الناس الذين لديهم مستويات مرتفعة من ذلك البروتين في دمهم فهم أيضاً ميالون بأن يكون لديهم معدلات مرتفعة من الإصابة بالسكري ومن مشاكل استقلابية أخرى وأيضاً من الموت المبكر بسبب الأمراض القلبية الوعائية، ولهذا فقد تساءل الدكتور فوغان عن مدى تَأثُّر شعب الآميش بهذه الطفرة فهو ينتج بشكل طبيعي كميات أقل من مثبط مفعلات البلازمينوجين-1، لذا قرر أن يطلب منهم السماح له بدراسة حالتهم، وعندما وافقوا أخذ الدكتور فوغان معه فريقاً مؤلفاً من 40 باحث إلى مدينتهم، ونصب محطات اختبار في مركز للاستجمام، وأمضى يومان وهو يقوم بفحوصات شاملة ل177 فرد من مجتمع الآميش والذي قدم معظمهم بواسطة العربات والأحصنة، وقد أمعن الباحثون بدراسة سجلات الولادات والوفيات لمجتمعهم وبدراسة تواريخ شاملة لأنسابهم، كما أنهم أجروا لهم تحاليل للدم وفحوصات بالأمواج الفوق صوتية لقلوبهم، وفحصوا بدقة حالة رئاتهم وقلوبهم.

يقول الدكتور فوغان، وهو رئيس كلية الطب في جامعة الشمال الغربي مدرسة فينبرغ للطب: ” أغمي على بعض الرجال الصغار بالسن ممن سحب منهم الدم، وذلك لأنهم لم يجربوا الحقنة أبداً في حياتهم”، ويضيف: ” يعيش هؤلاء الناس وفق نمط الحياة الذي كان سارياً منذ حوالي 18 قرن ولا يستفيدون بشكل عام من الطب الحديث، ولكن كان تعاونهم معنا بغاية من اللطافة والتهذيب”.

إن النتائج التي اكتشفها الدكتور فوغان وزملائه كانت صادمة، فأفراد الآميش الحاملين للطفرة يقدر متوسط أعمارهم ب85 سنة أي أكثر بحوالي 10 سنوات من أقرانهم، وقد وجد بأن نسبة مرض السكري من النوع الثاني بين أفراد الآميش الغير حاملين للطفرة قدرت ب7 بالمئة، ولكن النسبة كانت صفراً بالمئة بالنسبة لحاملي هذه الطفرة على الرغم من أنهم جميعاً يتبعون نفس نمط الحياة ويستهلكون أطعمة مشابهة، فقد أظهرت الفحوصات أن حاملي الطفرة كانت مستويات الأنسولين لديهم أقل ب28 بالمئة، والأنسولين هو الهرمون الذي يمكن أن يؤدي ارتفاعه المزمن إلى الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، ويقول الدكتور فوغان : ” إن السكري هو مرض يتطور أكثر مع تقدمنا بالعمر”، ويضيف: “وما وجدناه يعد مؤشراً استثنائيا بأن الطفرة تحميهم حقاً من أثر الشيخوخة على عملية الاستقلاب”

وقد تبين أن حاملي الطفرة يتمتعون بصحة قلبية وعائية أفضل، ولديهم قسيمات طرفية أطول بنسبة 10 بالمئة، والقسيمات الطرفية هي الأغطية الحامية لنهايات الصبغيات والتي تُشبَّه برؤوس أربطة الحذاء، ويعتبر طول القسيم الطرفي بأنه مقياس عام للشيخوخة البيولوجية، حيث يربط العلماء طول العمر بالقسيمات الطرفية الأكثر طولاً.

جان م. فان دورسن ” Jan M. van Deursen” وهو مختص بعلم الأحياء الجزيئي وخبير في الشيخوخة في مايو كلينيك، والذي لم يكن مشاركاً في ذلك البحث الحديث، أشار إلى أن الدراسة كانت مذهلة وقد أثمرت عن أفكار مثيرة، وقال: ” أعتقد أنهم قاموا بعمل جيد فنحن نادراً ما نشهد مثل هذا النوع من الدراسات”، ويضيف: ” إن شعب الآميش شديد التحفظ وليس من السهل إقناعهم بالمشاركة بدراسة كهذه، فأنا أقدم كل الاحترام والتقدير لهم وللباحثين”.

على الرغم من أن آلية عمل الطفرة غير واضحة بالتحديد، ولكن الدكتور فوغان وزملائه يعتقدون أن البلازمينوجين-1 يساعد بطريقة ما على تسريع عملية الشيخوخة، فمن المحتمل أن مثبط مفعلات البلازمينوجين-1 يقوم بتعزيز حالة مقاومة الأنسولين ويُضعف عملية استقلاب الجلوكوز، أو أن ذلك البروتين يمكن أن يعمل من خلال الخلايا المعمرة والتي تتراكم في الأنسجة الهرمة وتسبب الالتهاب. فمثبط مفعلات البلازمينوجين-1 هو أحد العوامل المسببة للالتهاب والذي عادة ما تفرزه الخلايا الهرمة، فمن المحتمل أن طفرة شعب الآميش تقوم بعرقلة هذه العملية.

شارك مجتمع إنديانا في بحث آخر كالدراسة التي أجريت العام الماضي والتي وجدت أن التعرض لغبار فناء الحظيرة يساعد في حماية الأطفال من الربو، وإن الدكتور فوغان وزملائه بما فيهم الدكتورة إيمي شابيرو “Amy Shapiro” المختصة بعلم الدم والتي هي من اكتشفت تلك الطفرة أولاً، يأملون بالقيام بمزيد من الدراسات بالتعاون مع شعب الآميش لكي يكتشفوا كيف تؤثر طفرة مثبط مفعلات البلازمينوجين-1على الوظيفة المعرفية وعلى جوانب أخرى من الصحة.

وقد قام فريق من جامعة توهوكو في اليابان بقيادة الدكتور توشيو مياتا ” Toshio Miyata ” بتطوير دواء يثبط عمل مثبطات مفعلات البلازمينوجين-1، والذي أظهر في تجربة مبكرة له أنه آمن، ويستعد الدكتور فوغان إلى السعي للحصول على موافقة من إدارة الغذاء والدواء ليبدأ تجربة في الولايات المتحدة الأميركية في بداية العام المقبل لاختبار تأثير استخدام الدواء لتخفيض مثبط مفعلات البلازمينوجين-1 عند الناس الذين يعانون من السمنة أو من حالة مقاومة الأنسولين.

يقول الباحثون أنهم لا يهدفون لتثبيط مثبطات مفعلات البلازمينوجين-1 بشكل كامل لأن لهذا البروتين دوراً أساسياً في تخثر الدم، فإن الرجال والنساء من شعب الآميش ممن ورثوا نسختان من طفرة من هذا المثبط، واحدة من الأب وواحدة من الأم، لا ينتجون مثبط مفعلات البلازمينوجين-1 على الإطلاق، مما يعرضهم لاضطراب بالنزيف شبيه بمرض هيموفيليا أو ما يعرف بنزف الدم الوراثي، أما بالنسبة للذين يُسَمون بأنهم حاملين للطفرة ممن يرثون نسخة واحدة من الطفرة، فإنهم ينتجون نسبة أقل منه مقارنة بالشخص العادي، ولكن لا يزال لديهم كمية كافية منه تجنبهم أية اضطرابات واضحة بالنزيف أو أي آثار سلبية أخرى، وتقول الدكتورة شابيرو وهي المديرة المشاركة لمركز إنديانا لمرض الهيموفيليا والخُثار: ” نحن نعلم أن حالة النقص الكامل لهذا البروتين ليست بالأمر الجيد، ولكن أظهرت الأبحاث لنا أن هنالك فائدة من انخفاض مستوياته، كما في حالة حاملي الطفرة”.

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top